يتسع الجدل في هذه الأيام حول الانتخابات النيابية. وتتفاوت المواقف والآراء، بين مؤيد لإجرائها الآن تنفيذاَ للمتطلب الدستوري مع التغلب على الصعوبات الناجمة عن جائحة كورونا، وآخرون يطالبون بتأجيلها ليتوفر الوقت الكافي للحملات الانتخابية، بينما يوجد من لا يبدي أي اهتمام بالموضوع انطلاقاً لعدم الثقة بفاعلية البرلمان وغياب دوره في أهم الاحتياجات الوطنية، ولا شك ان استطلاعات الرأي تكشف ضعف الاهتمام الشعبي بالبرلمان وبدوره، وتؤكد أن نسبة مرتفعة لن تشارك في الانتخابات حال اجرائها، هذا مع العلم ان نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية في الدورات الأخيرة كانت دائماً متدنية.
إن وجود البرلمان في البلاد وتثبيت الحياة النيابية مطلب وطني من أجل تحقيق المشاركة الشعبية في تطوير البلاد وتقدمها واحترام الدور الوطني للجماهير، ولكنه قبل كل شيء، استحقاق دستوري، حيث ينص الدستور أن نظام الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي.
ولذلك كان وما زال الجدل والصراع يحتدمان حول قانون الانتخابات، باعتباره المدخل الفعلي لتشكيل البرلمان. وللتاريخ فإننا نؤكد أن جميع البرلمانات التي تشكلت بموجب قانون الصوت الواحد وأخوانه وحتى قانون القائمة النسبية المفتوحة كانت حصراً في مصلحة التحالف الطبقي الحاكم وتخضع لتوجهات السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتها.
فقد كانت جميعها سرحاً مفتوحاً للمال الأسود ولمختلف أشكال التكتلات التي تفرزها مصالح القوى المتنفذة في البلاد، مع استثناءات محدودو جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في معظم هذه البرلمانات.
ولكن الظروف اختلفت جدياً في البلاد وعلى الصعيد العالمي، في أعقاب تداعيات جائحة كورونا، التي وضعت الجميع أمام ضرورات التغيير الحقيقي والعميق. ونحن في الأردن أمام استحقاقات واضحة لهذه الحالة على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويأتي في مقدمة الاستحقاقات والمتطلبات المطروحة أمامنا قضية تغيير وتحسين الإدارة العامة في البلاد وتعزيز مبدأ الاعتماد الجماعي على الذات وتحقيق التغييرات الضرورية في الإدارتين الاقتصادية والسياسية وبناء أوسع جبهة داخلية متماسكة وصلبة للتصدي الفعال لكل تداعيات كورونا ووضع أسس ثابتة للمرحلة الجديدة.
نحن بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لبرلمان فعال وملتزم بتنفيذ مهامه المحددة في الدستور، برلمان يلتزم بحسن الآداء في مجالي التشريع والرقابة، وهما القضيتان الملحتان في المرحلة الجديدة. لقد كان اللجوء الى أوامر الدفاع حالة استثنائية فرضتها طبيعية الظروف في ظل وباء كورونا. وبغض النظر عن حسن أو سوء تطبيقها كلياً أو جزئياً، فان الضرورات تتطلب وقف التعامل بها في معظم الحالات وإن لم يكن في جميعها، واستبدالها بتشريعات تتناسب مع متطلبات المرحلة وإعادة النظر في الكثير من التشريعات النافذة. كما يجب تعزيز وتعميق الدور الرقابي للمجلس والذي كان إما مفقوداً أو مجزوءاً في السابق.
نحن نؤكد ضرورة وجود برلمان فعال في المرحلة الحالية، ونطالب باتخاذ كافة الإجراءات التي تحقق هذا الهدف، علماً ان الظرف ما زال مناسباً لتحقيق ذلك من الناحية الدستورية. إذ ما زال ممكناً اجراء تعديلات أساسية على قانون الانتخابات النافذ واستبدال القائمة النسبية المفتوحة بالقائمة المغلقة، وإجراء أي تعديلات أخرى تؤدي الى حسن تمثيل الشعب بمختلف مكوناته الطبقية والاجتماعية وبحيث يتحول البرلمان الجديد الى شريك فعلي للسلطتين القضائية والتنفيذية في إدارة البلاد ووضع الأسس التي تحمي المجتمع من خطورة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وفي مواجهة المخاطر التي تهدد استقلال البلاد جراء المخططات المجرمة للسلطات الصهيونية في المنطقة. إن برلماناً متماسكاً وفعالاً من شأنه أن يعزز الموقف الشعبي في مواجهة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد البلاد، والتصدي الفعال لتطاول الصهاينة الاجرامي الذي يهدد أمن البلاد وأمن المنطقة وكذلك يهدد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.