يتسع إدراك شعوب العالم أجمع لعدالة القضية الفلسطينية ولطابعها الوطني الأصيل الذي يتجسد في توق الشعب الفلسطيني لتصفية آخر معاقل الاحتلال على وجه المعمورة، ولانتزاع حريته وممارسة حق تقرير المصير وحق إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، أسوة بجميع شعوب الأرض، وسواها من الحقوق التي تكفلها الشرعية الدولية لجميع الشعوب دون تمييز أو تفرقة على أساس العرق أو القومية أو الدين.
وتعبر شعوب العالم وقواها التقدمية والديمقراطية عن هذا الادراك بالإصرار الذي يدعو للإعجاب على أن لا تكتفي حكومات العالم بشجب استمرار إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية، ومواصلة قضم مساحات متزايدة منها لغايات الاستيطان والسيطرة على مصادر المياه، وامعانها في استخدام العنف المفرط والعقوبات الجماعية ضد شعب بأكمله، بل بفرض عقوبات رادعة على “إسرائيل، ومقاطعتها تجاريا واقتصاديا وأكاديميا، ومقاومة مسعى الحكومات وأحزاب اليمين الشعبوي لاعتبار أي انتقاد لإسرائيل وسياستها ضربا من ضروب معاداة السامية. وبفضل هذه المقاومة الباسلة والعنيدة والمثابرة اصدرت الهيئات القضائية في غير بلد أوروبي إضافة الى المحكمة الأوروبية احكاما نقضت قرارات الادارة الامريكية وحكومات أوروبية سبق ان ادانت نشطاء حركات المقاطعة وحظرت نشاطهم.
كما أظهرت حركات التضامن الأوروبية والأمريكية مع الشعب الفلسطيني جرأة بعدم الإذعان لابتزاز الجماعات الصهيونية الممالأة لإسرائيل والمتواطئة معها، وأعلنت بتصميم عن معارضتها لصفقة ترامب – نتنياهو المسماة “صفقة القرن”، وواصلت دون كلل التنديد بعزم معسكر اليمين الاستيطاني والعنصري المتطرف بزعامة نتنياهو ضم ما يعادل 30 بالمئة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وقد أسهم هذا التنديد والضغط على الحكومات الأوروبية في عدم تجرؤ القطب اليميني المتطرف نتنياهو على تنفيذ ما وعد به أنصاره بإعلان ضم الأغوار والمستعمرات الصهيونية في الأول من تموز الجاري.
ومن أخر الشواهد على ازدراء الشعوب، بما فيها قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي نفسه، للغطرسة الأمريكية المتمادية في عهد ترامب، وتقززها من الانحياز السافر للولايات المتحدة الذي فاق كل تصور لإسرائيل، وتسليم اليمين المحافظ الأمريكي بالرواية الصهيونية للعقدة الفلسطينية دون تمحيص او تدقيق، اقتران الشعارات التي رفعتها الجماهير الغفيرة في عواصم وكبريات المدن الامريكية والأوروبية تنديدا بتنامي مشاعر العنصرية والتمييز العنصري ضد الملونين والمهاجرين والأقليات العرقية والقومية في أوساط نخب متنفذة في الإدارة الامريكية وحكومات اليمين الشعبوي الأوروبية، بشعارات منددة بإسرائيل وباحتلالها وبسياساتها العنصرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حين رفعت القوى الديمقراطية والتقدمية المعادية للعنصرية والحرب والنهب ولرأسمالية الاحتكارات المتوحشة العلم الفلسطيني، رفعت القلة مشوهة الوعي، منعدمة الضمير الإنساني، المدافعة عن إدارة ترامب والأنظمة الدكتاتورية الدائرة في فلكها من قبيل نظام بولسانارو البرازيلي، العلم الإسرائيلي.
ولو كانت الأوضاع في العالم العربي أفضل حالا، وكانت جميع الشعوب العربية تملك ارادتها، وتتحكم في مصيرها وتتمتع بحرية التعبير والتحرك، لكانت أفضل قدرة على استثمار العامل الدولي المواتي وتوظيفه في معركة التصدي والمقاومة والتحرير.