مصطفى الهرش
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

أصبح من المؤكد والمألوف لدى قادة الفكر والباحثين وحتى عموم المتابعين، أن اجتماع القيادات الفلسطينية لن يعطي تفاؤل ملموس حول تطوير سبل المواجهة والتصدي وصولاً للهجوم في القضية الفلسطينية، ولعل هذا الشعور لم يأت من فراغ وإنما نتيجة جولات سابقة من الخيبة، أحاطت بمجملها وتراكمها بالبيئة الشعبية الفلسطينية، لتشكل وعياً معيناً لدى شعبنا يقود بالضرورة وبالدليل التاريخي لاتخاذ قرار مفاده أن هذا النوع من الاجتماعات لا يسمن ولا يشبع.
ومع هذا ورغم أحقية الفكرة السابقة كونها كما أسلفنا مسنودة على معطى زمني مدعم بتجارب مشابهة تقريباً. إلا أننا نرى أن هناك بارقة أمل من هذا الاجتماع، لما له من ضرورات تتعلق بالوجود النضالي من جهة وهذا يدعم الجانب الجماعي للسعي لتحقيق انجاز معين عبر الاجتماع، ومن جهة أخرى فإن هناك أمور بالجوانب الذاتية، حيث أنه لم يعد هناك مجال للفشل بالنسبة للطبقة السياسية الموجودة، ما يهدد على الاقل وجودها في ضمائر ووجدان شعبنا الفلسطيني صاحب السلطة الوحيدة التي تستطيع أن تعطي الشرعية للقيادات والاشخاص.
وبالنظر إلى النواحي الشكلية للقاء فهو لقاء غير مسبوق، بعد حضور جميع قيادات الصف الاول للفصائل الفلسطينية وخصوصا طرفي الانقسام الرئيسيين، بالإضافة إلى أنه حقق مطالب جميع الحاضرين، فلم يقتصر الاجتماع على من هم بالداخل أو من هم بالخارج، حيث أنه بالعودة إلى الوراء نجد أن هذه القضية معضلة، وموضع خلاف كبير، وبالأخص، وقبيل واثناء اجتماع المجلس الوطني الأخير. وبالتالي تم تجاوز هذه النقطة، ومن ناحية أخرى لم يكن هناك أي وصاية أو وساطة عربية كانت أم غربية لرعاية هذا الاجتماع وإنما كان فلسطينياً خالصاً (حضور ودعوة وبرنامج)، وقد نضيف هنا (أي إلى العامل الشكلي) الخطاب الذي ورد على لسان جميع المتحدثين، الذي أكد على الوحدة الوطنية جاعلين من الود والتحيات لغة خطاب فيما بينهم، صحيح أن اضافة الكلام إلى الشكل فيه من قلة الثقة ما فيه لكن قد يكون رافعة إضافية لهذا اللقاء، الذي لن نسميه الآن تاريخياً خالصاً لانتظارنا لمفرزات اللقاء العملية “هل هناك انعكاسات على الارض!؟”
لكي نكون متفائلين لابد أن نفند عوامل نجاح هذا اللقاء وهي:
في المشروع الوطني:
لعل أهم ضمانات نجاح هذا اللقاء74147 يتمخض في توجيه البوصلة نحو مشروع وطني واحد واضح المعالم وهذا ما ظهر فعلاً في البيان الختامي اذ اجمع المؤتمرون على صيغة واحدة للعمل دون تحفظات تذكر اذ ما استثنينا الجهاد الاسلامي وهي التي تحفظت على بند الجغرافيا الفلسطينية، وكي نكون على بينة من المشروع الوطني فإنه لابد من فهمه جيداً، إذ أنه في هذا السياق لابد من الاشارة إلى أن المشروع الوطني ليس حكراً على أحد أو رؤية أحد، فإلى هذه اللحظة اقترن هذا المفهوم في عقول البعض ما أثر سلباً في سلوكهم السياسي الذي يؤثر بدوره بكيفية التعامل مع القضايا التي تستجد (عامودياً وأفقياً – داخلياً وخارجياً)، هذا الذي يؤثر في مدى حكمة القرار المتخذ، وبالتالي فإن المشروع الوطني هو مشروع معركة بناء الدولة المستقلة، وهو المشروع المضاد للحلم الصهيوني، وبالتالي هو الولادة للتجمع الوطني وهو مملوك لمن يستطيع تحمل استحقاقاته النضالية وحمايته من أي تدخلات خارجية تحرفه عن وجهته الوطنية حيث هو الترسيخ للهوية الوطنية في مضامين القرار الوطني، وهو بطبيعة الحال ليس حكراً على طرف وانما حكراً على كل طرف يأخذ من السابق دستوراً له في مساره الكفاحي.
بهذا السياق وكوننا نمارس معركة حضارية ووجودية تمس الجميع مع الاحتلال الصهيوني فإنه يجب أن يكون هناك مشروع وطني متفق عليه من الجميع، حيث أن تعدد المشاريع والاستراتيجيات والتنقل فيما بينها يؤدي إلى ارهاق الموارد والامكانات الفلسطينية من جانب ومن جانب آخر يؤدي إلى انخفاض نسبة نجاحها، أي تفقد أهم مقوم من مقومات وجودها، وتؤدي أيضاً إلى التشكيك في جدية النخبة السياسية لمعالجة الازمات المتلاحقة، ومنه فإن توحيد المشروع الوطني هو الذي سيلعب الدور المحوري في نجاح اجتماع الامناء العامون.
ومن هنا فإن تحديد أولوية طرق المقاومة وفق رؤية توافقية يعد أساساً صلباً للوقوف عليه معاً وسوياً، إذ أن الوصول لهذه الصيغة الواحدة يعني ازالة بعض او جزء كبير من التباينات الايديولوجية التكتيكية حول صياغة عملية التحرير، وبهذا الخصوص فإن الخطوة المبدئية هي اتخاذ المقاومة الشعبية كشكل ملاءم للنضال الحالي مع التأكيد على ضرورة دعم جميع اشكال المقاومة، حيث أكد المجتمعون حق الشعب الفلسطيني في ممارسة الأساليب النضالية المشروعة كافة، وفي هذه المرحلة “نتوافق على تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة، دفاعاً عن حقوقنا المشروعة لمواجهة الاحتلال”، وقال البيان الختامي إنه “من أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، يتوجب علينا الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية. وفي هذا السياق، وكشعب واحد وموحد، نعيش في وطنٍ حرٍ واحد، توافقنا على ضرورة أن نعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعددية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل في دولةٍ وفق المعايير الدولية”.
في الانقسام:
بات الانقسام الفلسطيني، بوجهيه الجغرافي والسياسي، يتهدد مصير القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني، وصار الفكاك من هذا الشرك هو الشغل الشاغل للفلسطينيين في داخل الاراضي الفلسطينية وفي خارجها أيضاً، فانعكاساً لذلك واظبت الفصائل الفلسطينية على حل هذه المعضلة، صحيح أنها لم تتسم بالجدية المطلوبة لكنها حاولت، والملفت أن مع مرور سنوات الانقسام تحول شكل التعاطي مع الانقسام حيث بدءاً من الجولة الثانية لحوارات القاهرة التي بدأت في كانون الثاني 2009 بدا لنا أن الحوارات بدأت تتجه نحو تفاهمات بشأن إدارة الانقسامات وليس حلها، ولكن اليوم وفي ظل حالة الانقسام وتراجع فرص التسوية، ومع عدم قدرة أي حزب أو جماعة فلسطينية على التفريط بالحقوق الفلسطينية، وكذلك فشل أي مشاريع وصاية على الشعب الفلسطيني، فإن مصير القضية الفلسطينية خلال هذه المرحلة سيعتمد على قدرة النخبة السياسية على تجاوز الخلافات، وعلى التوصل إلى مصالحة جادة في إطار مشروع وطني قادر على التعامل في الشأن الدولي، ومن هنا فقد أكد المجتمعون على إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس، مؤكدين هنا بأنه لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة.
وقررت الفصائل تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقة الجميع، تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، لتقديم توصياتها للجلسة المرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني، كما تم التوافق على تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها جميع الاحتياجات اللازمة لاستمرارها.
هذا الذي يعطي بارقة أمل جديدة تتسم بالجدية في التعامل مع مسألة الانقسام.
ختاماً فإنه يمكننا النظر إلى الكثير من العوامل التي تعطينا ثقة اضافية بهذا الاجتماع، لكننا أردنا تسليط الضوء على العاملين السابقين كونهما يشكلان حجر الزاوية لنجاح هذا النوع من الاجتماعات، كون باق التفاصيل يمكن تجاوزها بعد استكمال الوعي السابق.