تأتي استقالة مدير منظمة التجارة العالمية البرازيلي روبرتو أزيفيدو من منصبه في وقت يعاني منه الاقتصاد العالمي من كساد هو الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ تضررت التجارة العالمية بشدة من جائحة فايروس كورونا المستجد، الذي تسبب في انهيار الإنتاج والمبادلات التجارية. وقد جاء هذا الكساد معطوفاً على أزمة اقتصادية وانهيارات مالية في النظام الاقتصادي الرأسمالي لم يبرأ منها منذ أن اندلعت عام 2008.
وفي ذات الوقت تعاني المنظمة التي تضم 164 دولة من ازمة حقيقية ناجمة عن احتدام النزاعات التجارية والتي اذكت نيرانها سياسات الإدارة الامريكية ونزوعها المتواصل لشن حروب تجارية على الصعيد العالمي وخاصة مع الصين. ومن المؤشرات على هذه النزاعات التجارية، على سبيل المثال، تجميد محكمة الاستئناف لهيئة تسوية النزاعات منذ شهر كانون أول الماضي بسبب العرقلة التي تتعمد الولايات المتحدة ممارستها لتعيين القضاة وذلك منذ العام 2017، الأمر الذي يمنع تحقيق النصاب الذي يتطلب حضور ثلاثة قضاة.
وباستثناء الاتفاقية متعددة الأطراف التي تم التوصل اليها عام 2013 المتعلقة بإصلاح الإجراءات الجمركية العالمية، لم تنجح المنظمة في ابرام أي اتفاقيات متعددة الأطراف بما في ذلك بشأن دعم قطاع صيد الأسماك. تجد هذه المنظمة نفسها مضطرة لمواجهة إدارة أمريكية معادية علنا لنهجها التعددي. وهي تبدو مغلولة اليد إزاء وقف الحرب التجارية التي تطلقها إدارة ترامب تجاه الصين والاتحاد الأوروبي. يضاف الى ذلك الفشل الذي لحق بجهود المنظمة منذ قرابة العقدين من الزمن لاختتام جولة الدوحة حول محادثات تحديد التجارة.
وتترك استقالة أزيفيدو من منصبه على رأس منظمة التجارة العالمية قبل عام من انتهاء ولايته آثارها على إمكانية انتخاب خليفة له، إذ من المرجح أن تضطر المنظمة للدخول في فترة انتخابية مطولة في ظل ظروف غير مثالية، تتسم بانعقاد الاجتماعات عبر الانترنت، وغياب توصل النقاش الى حسم مسألة تتعلق باتخاذ القرارات افتراضياً.
ويبدو ان هناك “اجماعاً” واضحاً على أن المرشح لتولي زمام الأمور في منظمة التجارة العالمية يجب أن لا يأتي من “قوة اقتصادية كبرى، وبالتأكيد ليس من الولايات المتحدة او الصين في ضوء الحرب التجارية بينهما.
موقف الولايات المتحدة أو الصين من تعيين خلف للمدير المستقيل لم يتضح بعد، الا انها على ما يبدو لا تبدو متحمسة لترشيح شخصية أوروبية لهذا المنصب، وحتى انها تعارض تولي أحد المساعدين الأربعة للمدير وهو من جنسية المانية مهمة الإدارة المؤقتة للمنظمة.
وإزاء التسييس غير المسبوق لعملية تعيين مدير جديد للمنظمة، يبدو من غير المستبعد اللجوء الى التصويت، في خطوة ستكون غير مسبوقة حال حدوثها.