ليس بغريب أن تفتح الحكومة وأية حكومة في بلادنا باباً للحوار حول قضية ما، وهذا ما قامت به في حواراتها مع الأحزاب السياسية حول نظام الدعم المالي للأحزاب. وسمعت الحكومة العديد من الملاحظات على هذا المشروع قبل اقراره وطرحت الأحزاب البدائل للعديد من بنوده. وسمعنا كلاماً منطقياً من ديوان التشريع الذي أكد لنا موقفه الرافض للعديد من بنود هذا المشروع.
ولكن على طريقة أنتم تقولون ما تريدون ونحن نفعل ما نريد، وهذا ما حدث فعلاً حين ضربت الحكومة بعرض الحائط كل الملاحظات والمقترحات من قبل الأحزاب السياسية في البلاد. وكان الأجدر بالحكومة أن تسمي هذا النظام بنظام تشجيع المشاركة بالانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية لأنه ربط اكثر من 85% من مواد النظام بالمشاركة الانتخابية، مع العلم بأن هذا الربط غير دستوري وتعدٍ على حرية الحزب السياسي في اتخاذ قراره السياسي السيادي بالمشاركة او عدمها، حيث ان هذا الامر في القرار الحزبي مرتبط بالأوضاع السياسية آنذاك وعلى ضوئها يأخذ الحزب قرار المشاركة أو المقاطعة وكلاهما موقف سياسي يجب أن يحترم.
ومما زاد الطيب بلة، أن معالي وزير الشؤون السياسية والبرلمانية أكد أكثر من مرة وبأكثر من مناسبة بأن قانون الانتخاب الحالي لا مساس فيه وباقٍ كما هو، علماً بأن أحزابنا لديها العديد من الملاحظات وطالما طالبت بقانون انتخابي ديمقراطي يعتمد النسبية والقوائم المغلقة على مستوى الوطن.
وبالتالي فان رؤية الحكومة في إقرار هذا النظام كما هو لن يؤدي الى دفع الأحزاب السياسية للمشاركة بالانتخابات البرلمانية وغيرها، بل على العكس سيزيد الإصرار على عدم المشاركة على اعتبارها قراراً سياسياً مفروضاً عليها، خاصة وأن أهم القوانين الناظمة للحياة السياسية وهو قانون الانتخاب لم يجر إعادة النظر فيه كمطلب جماهيري وشعبي ولعل العديد من الأبحاث وما قامت به مراكز الدراسات أكد على ضرورة هذا المطلب.
وفي حال ما شاركت الأحزاب او بعضها في الانتخابات ووصلت الى قمة البرلمان! فان أولى المهمات المطروحة أمامها هو إعادة النظر بجدية بالقوانين الناظمة للحياة السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب وكذلك النظام المالي لدعم الأحزاب.
النظام المالي الذي أصرت الحكومة على إقراره دون الأخذ بأي من المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية، ومنها حزبنا الذي تقدم لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية بورقة مفصلة حول احتياجات الأحزاب التي لا غنى عنها وضمن الحدود الدنيا، لم يراع الواقع المعاش الذي تمارس في ظِله الأحزاب السياسية نشاطها، واستندت فلسفته الى معطيات وتصورات تم استيرادها، كسائر السلع الاستهلاكية من الخارج، قد تصح في بلدان المنشأ التي ترسخت فيها تقاليد برلمانية وحزبية على امتداد عشرات السنين، وامتحنت تجربة ربط الدعم المالي للأحزاب السياسية بمشاركتها في الانتخابات على مرات عديدة بحيث جرى تأمين وإنضاج ظروف سياسية مواتية وبنية تشريعية مناسبة وبيئة حاضنة للأحزاب تمكنها من التوسّع واكتساح مواقع النفوذ والتأييد الشعبي قبل التفكير في تخصيص دعم مالي يُمكن الأحزاب من تغطية مصاريف الحملات الانتخابية.
ولا شك أن إقرار هذا النظام وبدء العمل به اعتباراً من 1/7/2020يعتبر ضربة موجعة للحياة الحزبية في البلاد فهو يهدف الى تقويض الحياة الحزبية ودفع الأحزاب الى تقليص نشاطاتها الوطنية والمطلبية والسياسية التي ترتكز على محاور عدة لا شك ان الانتخابات أحدها، وليس جلها.
إن الأحزاب بمختلف أطيافها السياسية معنية بالوقوف بجدية أمام هذا النظام الذي هو بحق نظام تقويض للحياة الحزبية ودفن لها.