أقرت الحكومة مشروع موازنة عام 2021 ورفعته الى مجلس النواب. وتبلغ النفقات المقدرة في المشروع 11.3 مليار دينار منها 9.93 مليار للموازنة المركزية للحكومة و1.5 مليار لموازنة الوحدات الحكومية. وتعتبر هذه الموازنة الأكبر في الأردن، حيث يقول المسؤولون إن الهدف من زيادة النفقات العمل على الخروج من حالة الانكماش الاقتصادي، حيث يقدر النمو بـ – 3 % عام 2020 والمستهدف في عام 2021 أن يكون 2.5 %.
ويقدر العجز الكلي بعد المنح بموجب المشروع بـ 2.64 مليار دينار، إذ يبلغ عجز الموازنة الحكومية 2.05 مليار وعجز الوحدات المستقلة 586 مليون دينار، علماً أن العجز المقدر في موازنة 2020 قبل جائحة كورونا كان 1.046 مليار دينار وتتوقع الحكومة أن تحقق اجمالي إيرادات الموازنة المركزية للحكومة 7.87 مليار دينار منها 7.298 محلية و577 مليون دينار منح خارجية بالإضافة على التركيز المستمر على إجراءات معالجة التهرب الضريبي. فيما حققت أرقام إعادة التقدير 7.20 مليار دينار لعام 2020 علماً ان الإيرادات المحققة عام 2020 جاءت أدنى بكثير من المتوقع جراء جائحة كورونا.
وأعلن رئيس الوزراء أنه لن يكون في عام 2021 ضرائب جديدة أو زيادة في الضرائب الحالية، هذا مع أن مشروع الموازنة يرصد زيادات كبيرة في الانفاق، حيث أن موازنة الحكومة ترصد مخصصات مالية لتغطية كلفة الزيادة على نسبة العلاوة الإضافية المعتمدة والمقررة من قبل الحكومة والزيادة المقررة على رواتب أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والزيادة المقررة للمعلمين إضافة الى الزيادة السنوية الطبيعية للموظفين. وتفترض الموازنة زيادة في اجمالي النفقات الرأسمالية لتبلغ 1.18 مليار دينار مقابل 948 مليون دينار حسب أرقام التقدير لعام 2020.
ويبلغ اجمالي النفقات الجارية لعام 2021 ما قدره 8749 مليون دينار موزعة بالشكل التالي:
1779 مليون رواتب الجهاز المدني
1452 مليون فوائد الدين العام
201 مليون المعونة الوطنية
40 مليون رديات ضريبة الدخل
47 مليون تسديد التزامات سابقة
1181 نفقات رأسمالية
ويقدر اجمالي إيرادات الوحدات الحكومية بحوالي 916 مليون دينار، منها 826 مليون إيرادات ذاتية و28 مليون دعم حكومي و63 مليون منح خارجية. بينما يقدر اجمالي نفقات الوحدات الحكومية بحوالي 1503 مليون دينار منها 996 مليون نفقات جارية و507 مليون نفقات رأسمالية وهكذا يبلغ عجز الوحدات 587 مليون دينار.
ويلاحظ حالة التوسع في الانفاق في مشروع الموازنة، ولكنه يترافق كذلك بحالة عجز تزيد عن ملياري دينار بينما كان العجز المقدر لعام 2020 قبل جائحة كورونا حوالي 1.046 مليار دينار وبلغ حوالي مليار دينار عام 2019. وبينما لا تتوفر أية معطيات تدعم تحقيق النمو المتوقع والبالغ 2.50 % فان مواجهة العجز الكبير ستؤدي بالضرورة الى زيادة المديونية العامة.
فقد بلغ رصد الدين العام خلال الأشهر الثمانية الأولى للعام الحالي 33.19 مليار دينار، بحيث بلغت نسبة الدين العام 106.4 % من الناتج المحلي الإجمالي والتي من المتوقع أن ترتفع حتى نهاية العام لتقترب من 109 %.
والقضية الأخرى الهامة في تقديرات الموازنة تتعلق بالإيرادات الضريبية فالحكومة تعتمد في إيراداتها المقدرة في موازنة 2021 على الإيرادات الضريبية بالدرجة الأولى، وفي مقدمة ذلك تأتي ضريبة المبيعات في المكان الأول والتي تشكل حوالي 70 % من هذه الإيرادات تليها ضريبة الدخل والأرباح وعلى الافراد بنسبة 20.6 % من اجمالي الإيرادات الضريبية. وإن تحقيق المتوقع من ضريبة المبيعات يرتبط بزيادة الاستهلاك وتحسن الطلب الكلي. إلا ان هذا الشرط يرتبط بزيادة المداخيل الفردية للمواطنين لتحسين القدرة الشرائية.
ويرتبط هذا البند بإمكانية تحسن النشاط الاقتصادي وتجاوز تداعيات أزمة كورونا كما من غير المتوقع أن تتحقق الإيرادات من الشركات والبنوك ومجمل الدخل من الأرباح بسبب تراجع الأنشطة في هذه القطاعات في العام المقبل لعدم الخروج من نتائج جائحة كورونا.
ثم تأتي بجانب كل ذلك موازنة الحكومة للتمويل للسنة المالية 2021 والتي تقدر بـ 6.9 مليار دينار. والتي سيتم الحصول عليها من أربعة مصادر أولها اصدار سندات اليورو بوند وسندات محلية بقيمة 815.3 مليون دينار وثانياً من قروض خارجية قيمتها 64.8 مليون دينار لتمويل مشاريع رأسمالية، وثالثاً قروض من مؤسسات دولية تبلغ 1.35 مليار دينار لدعم الموازنة، وأخيراً سيتم اللجوء الى قروض داخلية قيمتها 4.72 مليار دينار. أما استخدامات موازنة التمويل فسيتم تسديد عجز الموازنة للسنة المالية 2021 بما مقداره 2.05 مليار دينار وتسديد أقساط الديون الخارجية المستحقة البالغة 410 مليون دينار وسلف المالية لسلطة المياه بقيمة 233 مليون دينار وتسديد أقساط القروض الداخلية المستحقة على سلطة المياه البالغة 135 مليون دينار وتسديد أقساط قروض ومستحقات داخلية تبلغ 178.5 مليون دينار وأخيراً إطفاء الدين الداخلي بقيمة 2.98 مليار دينار. وهكذا يكون اجمالي استخدامات موازنة التمويل 6.9 مليار دينار.
ويلاحظ أن هذه الموازنة التوسعية في الانفاق تبتعد كثيراً عن معالجة القضايا الملحة والاساسية في الاقتصاد الوطني، ولا تستند الى معطيات قابلة للتنفيذ. فمن الملاحظ أن التوسع في الانفاق سيغرق البلاد في المزيد من المديونية جراء تزايد عجز الموازنة بالدرجة الأولى.
كما يتضح ذلك من موازنة التمويل ومن الالتزامات الأخرى. فعجز الموازنة سيفاقم رصيد المديونية في نهاية العام المقبل بحوالي 2.1 مليار دينار، علماً أن خدمة فوائد الدين العام تصل الى 1.5 مليار دينار وهو رقم مرتفع ويشكل خمس الإيرادات المحلية المقدرة.
ومن الواضح أن أبرز المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الوطني تكمن في الارتفاع الكبير في معدل البطالة الذي قد يصل الى حوالي 30 % في العام القادم ومن معدل الفقر ومن الارتفاع الكبير في حجم المديونية العامة وخدمة الدين ومن تراجع النشاط في العديد من القطاعات الاقتصادية ومن انخفاض نسبة النمو، جنباً الى جنب مع ضرورة زيادة وتوسيع الدعم لقطاعي الصحة لمواجهة أزمة كورونا وقطاع التعليم بكل متطلباته. إن هذه المصاعب تتطلب أولاً وقبل كل شيء دعم الاستثمار في مختلف القطاعات أولاً لزيادة الناتج المحلي الإجمالي وثانياً لمواجهة الفقر والبطالة في المجتمع. فالأوضاع الصعبة التي فرضتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي بما فيها الاقتصاد الأردني لا يمكن مواجهتها الا بزيادة الاستثمار الأمر الذي يتطلب في بلادنا تبديل عميق في السياسة الاقتصادية وفي مقدمتها زيادة الاعتماد على الذات وثانياً تأمين المشاركة الشعبية الواسعة في وضع وتنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة. وهذا التوجه غائب تماماً عن منطلقات مشروع الموازنة، فالوضع الجديد يتطلب خطة اقتصادية شاملة يساهم في وضعها ممثلو مختلف القطاعات العام والخاص والمفكرون والخبراء، وكذلك تحديد الأولويات والتي في مقدمتها زيادة الإنتاج المحلي وتوفير فرص عمل، وثالثاً تعزيز القاعدة الاقتصادية القابلة للتوسع التدريجي.
ويأتي في المقدمة التخطيط للنهوض بقطاع الزراعة لتأمين حاجات الأمن الغذائي وتوسيع الاستخدام الفعال للرقعة الزراعية الواسعة وتكوين فرص لتصنيع المنتجات الزراعية الحيوانية والنباتية على السواء.
ويمكن القول إن موازنة 2021 بقيت تصاغ في إطار السياسات السابقة التي ساهمت في تعميق المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وفي مقدمتها زيادة المديونية العامة وتعميق التبعية الاقتصادية.