بقلم: عدنان خليل
بعد أن أنجز الحزب الديمقراطي مؤتمره الذي عقد افتراضيا، وقبل فيه جو بايدن ترشيحه لمنصب الرئيس هو وكامله هرس كنائبة للرئيس، بدأت في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا مساء يوم الاثنين الموافق 24 اوغست/ آب أعمال المؤتمر العام للحزب الجمهوري. وقد عقد افتراضيا بسبب رفض حاكم الولاية الديمقراطي روي كوبر السماح لترامب او الحزب الجمهوري عقد هذا المؤتمر الا بقيود التباعد الاجتماعي. وكانت قد فشلت عملية نقل المؤتمر الى ولاية فلوريدا، والتي يحكمها أحد تابعي ترامب، كون مدينة جاكسونفيل البديلة في فلوريدا قد تفشى فيها الفايروس. وعليه أفقد الفايروس متعة ترامب بالتهريج امام عشرات الاف المؤيدين من جمهوره. وتحدث من ساحة البيت الأبيض أمام بضع مئات من مساعديه ومؤيديه، مخالفا التعليمات بعدم استغلال المراكز الحكومية لأغراض الحزب او الحملة الاعلامية.
في مؤتمري الحزبين، حرم المندوبون من فرص الحوار، حيث كان كل شيء معدا من إدارة الحزبين، وبدلا من ذلك شكل المؤتمر عرضا انتخابيا لكل منهما وفرصة للدعاية امام الاعلام.

يأتي هذا السباق الانتخابي، أثناء المصاعب الصحية والاقتصادية التي تمر فيها أمريكا والعالم، والاستقطاب الحاد في الولايات المتحدة بين التيار المحافظ ممثلا في الحزب الجمهوري والافنجيليكن المتصهينين وكتلة ترامب من البيض العنصرين، مقابل التيار الليبرالي الذي يقوده الحزب الديمقراطي، والذي يحمل في احشائه حركة اليسار البرجوازي الذي يمثله بيرني ساندرز.
الكل يتطلع الى هذه الانتخابات، متسالين “هل سيفوز دونالد ترامب ليحكم أمريكا لمدة 4 سنوات قادمة؟
وللاجابة على ذلك سأجتهد محاولا البعد عن الضرب بالودع:
“مابعد جائحة الكورونا ليس كما قبلها”. لقد فعل الوبأ او أظهر او ساهم في أحداث جسام ذات أثر هائل على الولايات المتحدة والتي تنعكس على الواقع السياسي فيها، ومن ذلك الانتخابات في 3 نوفمبر 2020:-
– في الجانب الشخصي لدونالد ترامب، أفقد الفايروس ترامب توازنه، وأظهر ضحالته وسخفه على مدار الأشهر الماضية. لقد اردت الجائحة 180 ألف امريكي، حتى اللحظة، وأبكت 180 ألف عائلة معظمهم من السود والفقراء اللاتنيين، ولم يعد الامريكيون، او غالبيتهم، تنطلي عليهم مقولة الفايروس الصيني أو إلقاء اللوم على الاخرين وأدركوا انهم امام إدارة فاشلة، ليس لديها القدرة على إدارة الازمات.واظهرت دونالد ترامب فاقدا لكريزما القيادة. لقد بهت خطابه الشعبوي الذي حمله للفوز في انتخابات 2016. في المؤتمر الافتراضي وان لم يتمكن دونالد ترامب من إطلاق طاقاته في عرض العابه البهلوانية امام مؤيديه من البيض العنصريين، الا انه وقف يطلق الأكاذيب كالعادة فهو يتحدث الان عن المطاعيم التي ستحل مشكلة الوباء وكانه هو من سيكتشفها ويجري التجارب عليه، تماما كما كان يتحدث عن دواء الهيدروكسي كلوركوين وكانه هو مخترعه وصاحب العلامة التجارية له وانه اوكسير الحياة السحري، وكل ذلك ليخدر اتباعه بشحنة من قناعاته التي لا تصمد امام العلم. كذلك أسهب في تحميل مسؤولية الفشل، كالعادة، في مواجهة الازمة الصحية او الازمات الأخرى الى ادارة أوباما وبايدن التي انتهت قبل 4 سنوات.
– في الاقتصاد، نسب ترامب لنفسه الانتعاش الاقتصادي قبل الجائحة، علما ان المؤشرات الاقتصادية الايجابية كانت امتدادا طبيعيا لمرحلة إدارة أوباما، التي عالجت ركود 2008 الموروث من إدارة الجمهوريين. اما العام الحالي الذي حلت فيه الجائحة كوفيد 19، وخلال فترة قصيرة من الأداء الفاشل اصبح هناك 30 مليون عاطل عن العمل، وفقدت امريكا 33% من الدخل القومي خلال الربع الثاني من السنة فقط، أي في 3 شهور فقدت 1.6 ترليون دولار تقريبا، اما الحديث عن انتعاش حالي في قطاع العقارات والسيارات، فان هذا عائد لتطبيق وصفة وقرارات مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، بضخ ترليونات الدولارات في شرايين المجتمع والاقتصاد الأمريكي، مما وفر سيولة حولها الجمهور الى موجودات ادخارية مثل العقارات والذهب، وليس نتيجة لسياسات ادارة ترامب أو منهج الحزب الجمهوري، وهي “جمعة مشمشية” ليست طويلة الاجل، سرعان ما ستشعر بعدها البطون بالجوع.
– لقد هيّج دونالد ترامب المشاعر العنصرية في مجتمع متعدد الأعراق والاثنيات، وغذى مشاعر العداء لدى القوميين البيض. ومن سوء طالع دونالد ترامب ان أحد مؤيديه من الشرطه جثم على رقبة الافريقي الأمريكي جورج فلويد فازهق روحه مما سعر الاحتجاجات المتواصلة ضد العنصرية وزاد من الاستقطاب في المجتمع الأمريكي، وأظهر دونالد ترامب مرة أخرى عجزا في مواجهة الازمة، لا بل زاد الطين بلة بارساله الامن الفيدرالي الى الولايات التي يحكمها الديمقراطيون ليقمع حركة الجماهير السلمية. لقد وفرت سياسات ترامب العنصرية بيئة خصبة لتنمية المليشيات المسلحة.

– في داخل الحزب الجمهوري اعلن تجمع لـ 73 شخصا مهما من قيادات الحزب الجمهوري خطورة سياسات ترامب على أمريكا، وانهم لن ينتخبوه، وبعضهم اعلن وقوفه مع منافسه جو بايدن، ومنهم المرشح للانتخابات الرئاسية السابق جون كيسك ووزير الدفاع السابق كولن بأول.
– في الصراع الاقتصادي والتجاري، إذا كانت الولايات المتحدة تخشى النمو الهائل للتنين الصيني، ووضعت في أولويات استراتيجياتها عمليات تحجيم الصين منذ اكثر من عشر سنوات، الا انه حصل العكس. لقد جاء ترامب قارعا طبول الحرب مع الصين ووضع العقوبات التجارية والاقتصادية والسياسية، الا انه من الواضح ان الصين كسبت الجولة. لقد خرجت الصين من الازمة الصحية بفترة قصيرة، وعادت الى الإنتاج بسرعة وفاعلية، بينما أمريكا لا زالت ترزح تحت عبئ الجائحة وتداعياتها.
– عندما استلم ترامب السلطة قبل ما يقرب من 4 سنوات كان الكونغرس بغرفتيه بيد الحزب الجمهوري وكذلك غالبية حكام الولايات، لكن خلال سنتين من انتخاب ترامب، وفي ظل سياساته وادارته، أصبحت الأغلبية في مجلس النواب من الديمقراط وتحول العديد من الولايات الى حكام من الحزب الديمقراطي، ونجحت مجموعة من التقدميين في الوصول الى الكونجرس، كما سقط عدد كبير من كانوا في دائرته، اما نتيجة الكذب امام الكونجرس او التعامل مع الروس او الفساد ممن يتبنون نظريات القوميين المميزين، وأخطرهم ستيف بانون.
– على صعيد السياسة الخارجية فشلت هذه الإدارة في معظم ملفاتها، ان كان في كوريا الشمالية او فنزويلا او ايران او في الصراع الفلسطيني الصهيوني. أما نجاح كوشنر مع دولة الامارات العربية المتحدة بالتطبيع مع إسرائيل فليس له وزن حقيقي في العملية الانتخابية في أمريكا، من الممكن ان يكون له وزنا لصالح نتنياهو، اما ترامب فلا.
– اذا كان هناك امرا يحسب لترامب في فترته، انه لم يغرق أمريكا في حروب عسكرية مدمرة كسلفه من الجمهوريين، وفي الحقيقة، هذا يضره انتخابيا امام المجمع الصناعي العسكري. لا نعرف اذا كان سيستمر في هذا النهج خلال الأيام القادمة وقبل الانتخابات، ام انه سيضع في صدره قلب الاسد ويشتبك مع الصين عسكريا ليضمن تأييد الصقور والمجمع الصناعي العسكري الذي يجلس على قمة الهرم الأمريكي، ليبقى اربع سنوات أخرى باعتباره بطل الحرب.
وعليه، صراخ جماعة ترامب الانتخابي وتابعيه واستعراضاته الخطابية التي شاهدناها في المؤتمر لن تساعده في هذه الانتخابات، وما خوفه من عملية التصويت من خلال البريد، واعتبارها وسيلة للتزوير، الا مؤشرا على قناعته الداخلية بالهزيمة. وسيستخدمها ورقة لتغطية عورته اثناء اجباره على مغادرة البيت الأبيض.
*رئيس تحرير جريدة “الحوادث” للعرب الامريكيين