كانت وما زالت مكافحة الفساد والتهرب الضريبي مطلباً شعبياً في البلاد ولا سيما للقوى الوطنية والديمقراطية. علماً أن الشكوى من هذه الآفة كانت تتزايد في السنوات الأخيرة، حيث اتخذت أشكالاً متعددة. فمن التلاعب بالمال العام الى الرشوة والواسطة والمحسوبية والدوس على حقوق المواطنين واستثمار واهمال الوظيفة العامة والتهريب والاتجار بالمخدرات الى التهرب الضريبي وغيرها. وقد ضاق المواطنون ذرعا من الخسائر والإهانات التي تلحق بهم جراء الفساد وسلوك الفاسدين الذين يتجاوزون بوقاحة مكشوفة في كثير من الحالات على حقوقهم ومصالحهم. والأكثر من ذلك أن بعضهم كان يتجاوز على القانون العام بكل وضوح وعنجهية. ورغم أنه كان يطلب من جميع الحكومات بكتب تكليفها التصدي لآفة الفساد، ورغم الادعاءات المتكررة بالقيام بهذه المهمة (!!) إلا أنه لم يتكون إحساس في المجتمع بأن ذلك يتحقق. وبقي الفساد ونفوذ الفاسدين يستشري في البلاد.
وفجأة أطلقت في الآونة الأخيرة حملة مصحوبة بمتابعة إعلامية لافتة ضد الفساد والفاسدين والمتهربين ضريبيا. واتسمت الحملة في حالات معينة بنوع من التشهير، بدون الدخول في التفاصيل وذكر الأسماء التي باتت على كل لسان.
والقوى الوطنية، في الوقت الذي ترحب فيه، باتخاذ إجراءات فعالة للتصدي للفساد والفاسدين ولوضع حد للتلاعب بالمال العام واستعادة الأموال المسروقة، وقطع دابر التهرب الضريبي وتحصيل مستحقات الخزينة من أصحاب النفوذ، لكنها تحذر، في نفس الوقت، من أن تتسم الحملة بطابع مؤقت واستعراضي، وبارتكاب تجاوزات في سياق اجراءات التنفيذ تتعارض مع أحكام القانون، بحيث تبدو وكأنها تهدف الى تصفية حسابات واقتناص الفرص للتشهير بالخصوم والمنافسين !.
فالمطلوب أن تتحول إجراءات مكافحة الفساد الى نهج ثابت لدى الإدارات الحكومية المختلفة، ويعتمد على إجراءات قانونية بعيدة عن سياسة التشهير بل ملتزمة بتنفيذ القانون، وبالحرص على أن ان يصدر الاتهام والادانة من قبل هيئة قضائية، بحيث يصبح هذا الموقف ركناً من سلوك الإدارة العامة، مبنيا على احترام القانون العام والتمسك به. فالمدخل الأول والرئيسي للفساد يرتبط بالاستهانة بالقانون وتعطيل القدرة على تنفيذه، الأمر الذي يشيع حالة من غياب العدالة والتخبط في العلاقة بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية. إذ أن حماية القانون تؤدي في الجوهر الى حماية العلاقة بين هذه السلطات وإشاعة روح العدل والمساواة والالتزام بالقواعد الدستورية.