عثمان عثمان
لا شيء تتميز به السنة الجديدة، سوى أنها بداية لعقد جديد وانقضاء العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، الذي عرف بعقد الربيع العربي، وقد تناول هذه المناسبة العديد من الكُتاب والمحللين بالقراءة والتحليل واستخلاص العبر بدليل أن الربيع العربي لم يكن حالة عابرة عربياً، وان كان اصطلاح الربيع العربي مختلفاً عليه، وهذه حالة المواقف من معظم القضايا في المنطقة، فالبعض اعتبر ذلك نتاجاً طبيعياً وانعكاساً لحالة الغضب الشعبي وانعكاساً للرغبة في التمرد على الكبت والظلم الذي تمارسه السلطات الحاكمة العربية وعلى انسداد الإصلاح السياسي والاقتصادي واستشراء الفساد والمحسوبية ومصادرة الحريات، وفشل خطط التنمية والأهم التبعية المذلة للقوى الاستعمارية.
والبعض الآخر اعتبره خريفاً عربياً، جاء في سياق الاستراتيجية الاستعمارية الصهيو – أمريكية الرامية لخلق الفوضى الغير خلاقة والمدمرة للشعوب، بهدف إعادة تشكيل المنطقة لإحكام السيطرة عليها.
أما حقيقة الوضع فهو شيء من هذا وذاك، بهذا القدر أو ذاك، ولعل أفضل من عبّر عن الحالة كاتب المستقبليات المغربي الهادي المنجرة المتوفي عام 1995 والذي عاش ومات غريباً في وطنه المغرب والعالم العربي شأن جميع العلماء التنويريين على امتداد الخمسة عشر قرنا الذي توقع تفكك الاتحاد السوفييتي واحتلال العراق، وتراجع دور الولايات المتحدة على طريق مصير الاتحاد السوفييتي، كما توقع ثورة الشعوب العربية على أوضاعها وقد أصدر كتاباً بعنوان “المهانة” والمقصود أن الشعوب العربية ومنذ أواخر السبعينات من القرن العشرين تشعر بالمهانة من طريقة إدارة الحكم في البلاد العربية كافة، فالنظم السياسية في العالم العربي في جوهرها نظم مستبدة، متسلطة ولا تؤمن بتداول السلطة، يتساوى في ذلك الملكيات التي تتوارث الحكم في شكله المطلق والجمهوريات، بالرغم من تمظهرها ببعض المظاهر الديمقراطية كالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والنقابية والمجالس المحلية، هذا الى جانب السماح بوجود مؤسسات لمجتمع مدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات والاتحادات وغيرها. الا أن هذه الأنظمة أصبحت تعيش مأزقاً حقيقياً من خلال عدم قدرتها على المواءمة بين جوهر النظام الاستبدادي وشكله الديمقراطي، بالإضافة الى انعزال الحكام عن شعوبهم من خلال بطانة فاسدة وصولية، تخفي عن الحاكم حقيقة معاناة الشعوب وتزيف الحقائق لتظهر له بأن الأحوال على خير ما يرام، مما أغرى هذه الأنظمة حتى الجمهورية يتصور منها أن البقاء في السلطة حتى الممات بل السعي لتوريث هذه السلطة، على سبيل المثال الديكتاتور العجوز حسني مبارك والقذافي وصدام حسين وعلي صالح وعلي زين العابدين، مما عمق من الشعور بالمهانة الى جانب مصادرة الحريات بكافة اشكالها وفشل خطط التنمية وتشديد القبضة الأمنية متناسين ما وصل اليه العالم من تطور أصبح معه هذا العالم قرية صغيرة ينتقل فيه الناس والمعلومات بسرعة وشفافية، مما دفع بالناس للخروج للشوارع على وقع حادثة هنا كما في تونس او هناك وفي كافة الشوارع العربية فالعشب أصبح جافاً جداً قابلاً للاشتعال ولو بعود كبريت صغير، وقد جاءت هذه الثورات تتويجاً لعدد من المسيرات والاضرابات والاعتصامات، منها ثورة انتفاضة الخبز في مصر عام 1977 و 1984 وفي نفس العام في المغرب وتونس وفي الأردن كان أبرزها هبة نيسان 1989 و 1991، فهذه الأنظمة لم تعد قادرة على تسويق نفسها لا في الداخل ولا في الخارج، فحالة الوعي أخذت في التشكُّل لدى الشعوب متحدية نهج الأنظمة الفاسد والمتخلف، يضاف لذلك فشلها في عملية التنمية، مما أدى لانتشار الفقر والمرض والجهل، فلا الأمن الغذائي عاد ممكناً ولا الأمن الغذائي القومي العربي الذي أصبح مخترقاً ومحط أطماع القوى الدولية إضافة للأطماع الإقليمية، لذلك كان لا بد لهذه الشعوب أن تثور، لتصحيح مسار هذه الأنظمة وتدافعت الأمواج البشرية للشوارع مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، واكتشفت هذه الجماهير قدرتها الجبارة على اسقاط بعض من هذه الدكتاتوريات وأنها بذلك أصبحت على أبواب تحقيق ثورتها الديمقراطية الحقيقية، الا أن هذه الأنظمة عادت بوجوه أكثر دموية مدعومة من القوى الخارجية والإقليمية وهذا مرده لطبيعة هذه الأنظمة الأمنية المعقدة وارتباطها بالأطماع الاستعمارية وضعف مؤسسات المجتمع المدني كنتيجة لهذه السياسات الأمنية وبالتالي افتقار هذه الثورات لقيادات حزبية مؤهلة لهذه المرحلة والقادرة على التغيير.
ومع مجيء ترامب انتعشت أكثر جميع الدكتاتوريات في العالم وخاصة العربي منه بل حصلت على تصريح باتباع أبشع أشكال القمع والقتل وتقطيع المعارضين ما دامت قادرة على دفع المال للرأس الكبير.
وختاماً نقول أن هذه الأنظمة تخطئ خطأً كبيراً اذا اعتقدت أنها قادرة على الاستمرار في الحكم بذات الأدوات، ما دامت مدعومة من الخارج، أو ان الجنرال كوفيد 19 سيبقى طويلاً.
فالشعور بالمهانة أصبح أكبر لدى هذه الشعوب وهي ترى ضعف هؤلاء الحكام أمام الآخر وكيف يسوقهم صبي مثل كوشنير كما يريد، فترامب غادر منصبه ذليلاً وإن اجّل الثورة لن يوقفها وكل ما حدث خطوة للخلف ستليها خطوات للأمام والكلمة النهائية ستكون للشعوب وإذا كانت بشارة الثورة تأتي من تونس فالأمل ألا يطول الانتظار.