من الواضح تماماً ان حكومة بشر الخصاونة ليست حكومة انتقالية يتعين عليها الاستقالة بعد اعلان نتائج الانتخابات. يتأكد ذلك خلال من مجموعة من المعطيات والمؤشرات، والتي في مقدمتها كتاب التكليف الذي جاء واسعاً وشاملاً بوضوح مجموعة من القضايا الأساسية التي على الحكومة التصدي لها. والأمر الثاني هو الفترة الطويلة التي استغرقت في البحث في كيفية التشكيل، وهي فترة ليست لها سابقة خلال العقود الطويلة السابقة، إضافة الى التركيبة الواسعة للحكومة غير المتوقعة.
من المعروف ان البلاد تمر في فترة استثنائية قاسية مليئة بالصعوبات والتحديات، وتشترك مع العالم اجمع تحديداً في التداعيات الثقيلة والمؤلمة لجائحة كورونا، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. هذا مع العلم أن الأردن كان وما زال يعاني من أزمة مركبة ممتدة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، تكونت وتراكمت تاريخياً نتيجة للنهج الاقتصادي والسياسي المتبع والخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية والدوائر الامبريالية. وثبت بالدليل القاطع أن هذا الوضع مهد لتعميق التداعيات الخطيرة لأزمة كورونا.
ولتتمكن حكومة الخصاونة من مواجهة هذه الأوضاع الاستثنائية والمعقدة لا بد من إجراءات واضحة ومحددة، اخذاً بالاعتبار أن عليها مسؤولية كبيرة في الاشراف على الانتخابات النيابية.
ان المدخل الأول والاهم لمواجهة هذه الأوضاع يتطلب الاستناد الى دعم وطني واسع للإجراءات المختلفة والخطوات التي لا بد منها ومواجهة حالة عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمع بشكل عام. إن تأمين حالة وطنية متماسكة رغم الظروف الصعبة، وخاصة زيادة معدل البطالة والفقر وتدهور المستوى المعيشي لغالبية المواطنين، يتطلب إجراءات واضحة لكسب ثقة المجتمع المدني.
وفي مقدمة هذه الإجراءات لا بد من عملية اصلاح سياسي واسعة تستند بالدرجة الأولى على إشاعة الديمقراطية في البلاد وإطلاق الحريات العامة، حرية الرأي والفكر والتنظيم والتعبير ومختلف اشكال النشاط السياسي والاجتماعي، وإلغاء كافة القوانين والأنظمة المحددة لهذه الحريات، وخاصة قانون الجرائم الالكترونية ووقف كل اشكال التضييق على الحياة الحزبية، وتوسيع دور القضاء المدني العادل وإلغاء دور محكمة الدولة في القضايا المدنية وفقاً لاحكام الدستور. ان هذه الإجراءات تشكل القاعدة الضرورية للاستناد عليها لمواجهة الإجراءات الصعبة التي لا بد منها في مواجهة الأوضاع الاستثنائية.
وأما فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة. فاننا نعتقد ضرورة وضع خطط محددة لمواجهة مختلف الحالات في المجالين وتشكيل لجان متخصصة تتكون من ممثلي القطاعين العام والخاص والهيئات الوطنية المختصة والكفاءات والخبرات الوطنية لتتدارس الأوضاع المختلفة في المجالين وتقديم الاقتراحات للمعالجة الفعالة السريعة، ولصياغة السياسات المستقبلية.
إن إعادة النظر في السياسية الاقتصادية – الاجتماعية مطلب أساسي في الظروف الحالية ومن أجل ضمان التطور المستقبلي المستند الى قاعدة الاعتماد على الذات والاستفادة من كل إمكانيات الوطن، خاصة في مجال المواد الأولية، وتدعيم الصناعات الفقيرة والمتوسطة. ان الحالة الراهنة تتطلب سياسة زراعية جديدة قوامها توسيع الرقعة المستغلة وتقديم الدعم للمزارعين وتنشيط المزارع التعاونية وزيادة وتنويع الإنتاج الزراعي الحيواني والنباتي لزيادة نسبة الامن الغذائي وتوسيع التصنيع للمنتجات الزراعية، وإلغاء ديون صغار المزارعين وتقديم الدعم العلمي والمادي لهذا القطاع العام. ويجب اتخاذ إجراءات فعالة لدعم الصناعة الوطنية وتوسيعها وحمايتها، وتحسين شروط الاستثمار ووضع حد للجمهور والبيروقراطية لدى الجهات الرسمية في هذا المجال وتحديداً فانه لا بد من وضع خطط اقتصادية لمختلف القطاعات، وصياغة اهداف واضحة وتحديد أساليب التنفيذ والمتابعة في جميع الحالات. ويجب إيلاء قطاع السياحة اهتماماً خاصاً وتدارس مختلف الحالات التي يمكن أن تساعد في هذا المجال.
وبجانب هذه الأمور المستعجلة فلا بد من تدارس حالات الفقر والجوع التي ستنجم عنها وقضية البطالة المنتشرة والخطيرة وذلك من ناحيتين اولاً التأكيد على التنمية والاستثمار الذي يخلق فرص عمل جديدة، وثانياً البحث في مختلف اشكال الدعم للعمال المتعطلين وخاصة في القطاع غير النظامي وإعادة النظر في قوانين وأنظمة العمل بما يحقق حماية العاملين وضمان الحد الضروري لحياة كريمة مستقلة. ويجب الاهتمام بدعم الاسر الفقيرة والتأكد من أن المساعدة تصل للمحتاجين حقاً.
ان قضية البطالة وتداعياتها تشكل احد الهموم الكبيرة للمجتمع، الأمر الذي يتطلب سياسة رشيدة وواضحة، وعلاقة ديمقراطية واضحة مع هذا القطاع. فازدياد نسبة البطالة والفقر يعمق الاختلالات الاجتماعية كالجريمة والفساد والاخلال بالنظام العام وإشاعة اشكال من الجرائم كما نرى حالياً لم تكن بهذا المستوى سابقاً.
واذا كان من الضروري تعميق التعاون والتشارك بين القطاعين العام والخاص الا انه لا بد من دعم القطاع العام وتعميق دوره في الحياة الاقتصادية وخاصة في مجال الاستثمار والاسعار والرقابة على الأسواق وحماية العاملين ومنع السماح بتحقيق الأرباح أداة للاعتداء على حقوق العاملين.
وأثبتت التجارب الملموسة انه لا بد من تقديم كل الدعم لقطاعي الصحة والتعليم وتعميق دور الدولة في هذين القطاعين، والوقوف بحزم امام مخرجات العولمة الرأسمالية العالمية التي عمقت إجراءات الخصخصة في القطاعات الاقتصادية، وكذلك في قطاعي الصحة والتعليم. وأثبتت التجربة أن للدولة دوراً فعالاً كما رأينا في قطاع الصحة، كما ان للقطاع العام دوراً هاماً في قطاع التعليم. وطبعاً هذه تقديرات موجزة لأهم القطاعات وللإجراءات الواجب اتخاذها.
اما القضية الهامة والأخيرة، هي الاشراف الرسمي على الانتخابات النيابية ونحن نؤكد أنه رغم كل الملاحظات والاعتراضات على قانون الانتخاب ورغم القيود الكبيرة على الحريات العامة وعلى الأحزاب السياسية، ورغم الظروف غير المؤاتية لإجراء الانتخابات بسبب تداعيات كورونا، الا ان القوى الوطنية والأحزاب السياسية شاركت في الترشيح بقوة في العملية الانتخابية باعتبار ذلك مدخلاً ضرورياً للتغيير في غياب وعدم وجود أي مدخل آخر. ولكننا نبهنا وما زلنا ننبه الى مخاطر المال الأسود الذي سيستفيد من معدل الفقر والبطالة المرتفع في البلاد ومن القيود المفروضة على التواصل مع الناس لكي يتمكن من تشغيل إمكانية الوسطاء والسماسرة. ويثبت حالياً بالدليل القاطع صحة هذه التقديرات. فالمال الأسود هو سيد الموقف على المكشوف في جميع المحافظات بلا استثناء. والسماسرة والوسطاء معروفون للجميع وللجهات الرسمية. فاذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الحريات العامة التي أعطيت للعشائر رغم ظروف العزل والمنع لتسمية مرشحيها، واتساع نشاط المال الأسود، مع توقع انخفاض المشاركة في التصويت، نقول اذا ما اخذنا ذلك بنظر الاعتبار فانه يؤكد أن صورة نتائج الانتخابات لن تكون مشرقة، وان البرلمان المقبل سيكون صورة أسوأ من سابقاته.
ان المطلوب سرعة التدخل للجم هذه الحملة المسعورة من قبل المال الأسود وفسح المجال امام القوى الوطنية والأحزاب أن تتمكن من توسيع تواصلها مع المواطنين وذلك عن طريق تأجيل الانتخابات لفترة مقبولة تسمح بتحقيق ذلك.