لصوي: التعليم عن بعد ليس بديلاً عادلاً عن الوجاهي
د. زكريا: تفاوت مريع في قدرة الطلاب على الاستفادة من المنصة
عثمان: التكنولوجيا الرقمية تحل المشاكل البيروقراطية
غنوة: خطط الدعم النفسي على رأس الأولويات التعليمية
*فاجأت جائحة “كوفيد 19” العالم، وفرضت على الدول اللجوء الى أسلوب “التعليم عن بعد”… هل ترون أن البنية التحتية التعليمية أثبتت أنها ملائمة للتعليم عن بعد (سواء للطلبة في مرحلة التمدرس أو المراحل الجامعية العليا)؟
رانيا لصوي ( موظفة في قطاع خاص) من الخطأ الكبير تقييم عملية التعليم في ظل جائحة كورونا بمعزل عن كل السلبيات والملاحظات في عملية التعليم عموما، وكأن ما قلب الموازين هو فقط فيروس كورونا، أو التعلم عن بعد.
عملية التعليم تشمل عدة عناصر هامة، لكل المراحل، أولها المنهاج الدراسي وهذا يعاني الكثير ولا مجال لتفنيده هنا. ثم المعلم والطالب، المدرسة، وفي حال التعليم عن بعد برز دور هام للأسرة.
استوجب علينا التعليم عن بعد الاهتمام أيضا بمفاهيم مستجدة غيرت مفهوم البنية التحتية فلم يعد يقتصر على البناء المدرسي فحسب، بل أيضا على الجهاز الالكتروني الذكي، خدمة الانترنت، توفر القدرة على التعامل مع الأنظمة التكنولوجية، وهذه الأمور تختلف من مكان الى آخر تبعا لاختلاف الطبقة الاقتصادية بالدرجة الأولى، والمكان الجغرافي حيث برزت الفروق بين المدن وأطرافها، الأرياف والقرى.
وهذه المعايير جعلت من التعلم عن بعد بديلا غير عادل حتى في ظروف طارئة صحية، وبغياب البنية التحتية الملائمة، والامكانيات الاقتصادية، والخبرة المعرفية، برز التباين الحقيقي بين الطلاب حسب طبقات المجتمع الاقتصادية، والقدرة على توفير هذه الإمكانيات، دون أي مسؤولية على الدولة.
من منظور العدالة الاجتماعية وضرورة إعطاء فرص متكافئة لكل أفراد المجتمع فان إحلال التعليم عن بعد بديلا للتعلم الوجاهي في ظل الواقع لا يحقق العدالة في التعليم. وإن كان أي حديث عن تطوير العملية التعليمية والخروج من النمط التقليدي التلقيني الى وسائل جديدة أكثر مقاربة الى التطور التكنولوجي، ولكن هذا يحتاج الى تهيئة وتطوير في البنية التحتية، وفي الكادر التنفيذي من معلمين واداريين، إضافة الى تطوير ملكات المتلقي من الطلاب بكافة الفئات العمرية، بما يضمن توفير القدرة الذهنية من أجل التعامل مع التعلم عن بعد.
د. زهير زكريا (مستشار الارشاد والصحة النفسية) أصابت جائحة “كورونا” جميع جوانب الحياة في الأردن من صناعة وتجارة وشحن واستيراد، وبالنسبة للقطاعات الاجتماعية فقد تأثرت غالبيتها بإجراءات الوقاية والحماية وعلى رأسها قطاع التعليم الذي يضم قرابة مليون ونصف مواطن من المتعلمين وأكثر من مائتي الف من المعلمين والمعلمات. وكإجراء تعويضي لجأت الحكومة ممثلة بوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي إلى إنشاء منصات الكترونية لتقديم الدروس إلى الطلبة بمختلف مستوياتهم الدراسية وذلك في محاولة مستجدة وغير ممأسسة لمواجهة الجائحة والحد من عواقب إنتشار الفيروس (كوفيد-19). وانقسم المواطنون بين مؤيد للعملية ومعارض لها ومن يرى فيها مشروعا مؤهلا للربح وخاصة شركات البرمجيات وإنشاء المنصات الإلكترونية. وفي الوقت الذي تتضخم فيه المطالبة بتمهين التعليم، ورأينا في تأسيس نقابة المعلمين عام 2011 خطوة على هذا الطريق وبعد نضالات وأثمان باهظة دفعها المطالبون بتشكيلها منذ خمسينيات القرن المنصرم، وقبل انقلاب العام 2020 صدر قرار محكمة الجزاء بحل النقابة وسجن أعضاء مركزياتها. حدث ذلك في وقت أحوج ما يكون فيه المجتمع الأردني إلى قوة عاملة ومهنية يكون لها رأي وإسهام في التعليم عن بُعد وتطوير التعليم والممارسات المتعلقة به.
عثمان عثمان: (تربوي) لا شك أن جائحة “كورونا” فاجأت العالم بأسره وفرضت عليه أشياء كثيرة من ضمنها التعليم عن بعد، ولكن وقع هذه المفاجأة لم يكن بنفس الشدة فقد كانت أقل شدة على الدول المتقدمة علمياً وخاصة في مجال التكنولوجيا الرقمية والتي لديها مؤسسات للتخطيط الاستراتيجي. بينما كانت أكثر شدة على الدول الأقل تقدماً وتطوراً تلك التي بيدها إدارة الازمات وبهذه الذهنية فرضت الدولة عندنا الاغلاق التام بما في ذلك قطاع التعليم رغم أن هذا القطاع كان أخر ما يتم اغلاقه وأول ما يتم فتحه في الدول المتطورة، لذلك شهدت هذه التجربة نواقص وثغرات لعدم توفر البنية التحتية للتعليم عن بعد في جميع المراحل من هذه الثغرات التي ظهرت: عدم تغطية الانترنت لبعض المناطق 7 % وحتى في العاصمة والمدن الرئيسية فان الانترنت تتعرض للتوقف، وكذلك كثيراً ما كان الطلاب لا يستطيعون الوصول الى الموقع، حتى أثناء الامتحانات فخدمة الانترنت هي خدمة طبقية لمن يستطيع أن يدفع الكلفة.
*هل يمكن إحلال التعليم عن بعد بديلاً للتعليم الوجاهي؟ بما في ذلك تغييب دور المعلم والنشاط الصفي؟
لصوي: التفكير خارج الصندوق في هذه المرحلة الحساسة كان ضرورة، ولكن لم تكن الحكومة الأردنية لا السابقة ولا الحالية على قدر المسؤولية الواجبة، وبالتالي تحول التعلم عن بعد الى كارثة اجتماعيه تضاف على الكوارث التي يعاني منها المجتمع الأردني.
الإيجابي في التعامل مع جائحة كورونا عالميا والذي يجب أن نتعلم منه، هو أهمية العمل على تطوير عملية التعليم لدينا، والخروج من الطريقة التقليدية التلقينية، بناء المناهج التعليمية بطريقة تواكب التطور في المعرفة وتراعي سهولة الحصول على المعلومة، نوع المعلومة التي يجب أن تقدم حسب الفئة المستهدفة.
والى أن يُصار وضع الخطط المناسبة لتطوير التعليم، مطلوب اليوم توفير اللقاح لكافة المعلمين والمعلمات والاداريين في المدارس والجامعات، من أجل العودة الى التعليم الوجاهي بشكل كامل واعتيادي.
د. زكريا: لن يكون بمقدور أي مجتمع الاستغناء عن التعليم الوجاهي مع الأخذ بعين الاعتبار إيجابيات لا يمكن إغفالها في التعليم عن بعد. ومع ذلك يمكن القول بكل ثقة أن التعليم عن بُعد يجب أن يستثني طلبة الصفوف الثلاثة الأولى لحاجتهم الماسّة إلى المتابعة اليومية والدقيقة لضمان عدم زوال الخبرات التعلمية المكتسبة ولأنهم لا يستطيعون التعامل مع تقنيات التواصل الإلكتروني، عدا عن الآثار الصحية المترتبة على الجلوس وعلى النظر إلى الشاشة واستقبال ضوئها الأزرق لساعات طويلة، ولا يستطيع الأهل التواجد معهم باستمرار ولعدة ساعات في اليوم الواحد.
عثمان: بالرغم من أن المستقبل هو للتعليم عن بعد لأن التقدم العلمي لا ينتظر أحداً الا أنه ومع ذلك لا يمكن الاستغناء عن المدرسة والمعلم، لذلك فان دمج النظامين الوجاهي وعن بعد هو الحل العملي الأكثر ، فالحياة المدرسية هي أكثر من تلقي معلومة فالحصة هي موقف تفاعلي بين الطالب والمعلم وبين الطلبة فيما بينهم كما أن هناك مواد تحتاج لمختبرات وصفوف تحتاج للصلة المباشرة بين الطالب والمعلم، وهذا وحده لم يعد يلبي حاجات التعليم لذلك لا بد من تطوير المدرسة لتصبح أكثر ذكاءً (رقمياً) واعداد المعلم وكذلك تطوير المناهج لتصبح ملائمة لهذا الشكل المشترك (الهايبرد).
*ما التداعيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للتعليم عن بعد على الأسرة الأردنية؟
لصوي: تمثلت تداعيات التعليم عن بعد بالتالي:
– جشع المدارس الخاصة والجامعات وغياب العدالة
تقسم المدارس الخاصة الى نوعين: المدارس الخاصة الدولية وهي تمثل الطبقة المخملية من المجتمع، والمدارس الخاصة المتوسطة التي تعمل على سد ثغرات المدارس الحكومية وعجزها عن استيعاب أعداد طلبة أكبر، فتقدم خدمات متوازية للمدارس الحكومية من حيث المنهاج ولكن ببنية تحتية أفضل قليلا من المدارس الحكومية. وهذا التصنيف يعكس نفسه على الجامعات الحكومية التي تعتمد نظام التنافس والتعليم الموازي الأعلى تكلفة، والجامعات الخاصة التي ترتفع رسومها بشكل أكبر.
هذه المنظومة لم تتحمل مسؤولياتها المجتمعية في ظل جائحة كورونا بما يساند الأسر وكافة الطبقات، فظهر التناحر بين أهالي الطلاب وإدارات المدارس والجامعات على الأقساط التي لم تتغير بما يتناسب مع تكلفة التعلم عن بعد الحقيقية والذي تجلى بظاهرة الهجرة من المدارس الخاصة الى الحكومية بشكل كبير.
أما المدارس الحكومية ومدارس الوكالة فتعاني من بنية تحتية سيئة، ويعاني المعلم فيها من تهميش ممنهج وخطه متصلة بما يحدث في نقابة المعلمين، فكان قرار منع المعلم من التواصل مع الطلاب قرارا كارثيا على الطلبة، بخلاف النظام الذي اتبعته المدارس الخاصة.
– استغلال شركات الاتصالات ومزودي الخدمات التكنولوجية
في ظل هذا الواقع الصعب، غابت مسؤولية الدولة، وغابت قدرتها على حماية المستهلك من سيطرة أصحاب رأس المال في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا مما شكل عبئاً جديداً اقتصادياً على الأسرة.
– التعلم عن بعد والكورونا والأسرة
أضافة الى القلق الصحي والخوف على المنظومة الصحية، زاد العبء النفسي والمادي على الأسرة بالتفكير في تأمين احتياجات التعليم عن بعد، خاصة للأسر الكبيرة. ولا شك أن الحمل الأكبر تعاني منه المرأة خاصة إذا كانت عاملة، زادت مهماتها بضرورة متابعة تدريس الأطفال، وتنظيم أوقات بث الحصص ومتابعة البرنامج الدراسي.
– ارتفاع عمالة الأطفال لتحسين الوضع الاقتصادي.
– الاتكالية حيث اختار الأهل أسهل الطرق في التعليم وهي الاعتماد على الأهل في حل الامتحانات والواجبات.
د. زكريا: يمكن النظر إلى تجربة الأردن مع التعليم عن بعد أنها خلقت تحديات وتداعيات اجتماعية ونفسية يواجهها المواطنون، كنوعية، لأول مرة على مستوى الطلبة والأسرة والمعلمين. إذ لوحظ إصابة الكثير من الطلبة بحالة من الإحباط نتيجة فشل محاولاتهم إما في الدخول إلى المنصات أو بسبب انقطاع الشبكة أو التيار في ذروة استخدامهم للتطبيق. وتكرار ذلك يؤدي إلى حالة من الانقباض النفسي الذي تكون نتيجته انتشار السلوك العدواني سواء اللفظي أو المادي. وينطبق الأمر نفسه على أرباب الأسر الذين يُسقط في أيديهم وشعورهم بالعجز تجاه عدم المقدرة على تلبية احتياجات الأبناء في مراحلهم الدراسية. فضلا عن كل ذلك فقد بيّن التعليم عن بُعد بروز عدم المساواة الاجتماعية بين فئات المواطنين نظرا لعدم تكافؤ الفرص في حصولهم جميعا على نفس المستوى من الخدمة، كما بينّا في النقطة الأولى، بما يمثله هذا من انتهاك للدستور بمادته (6) وما تؤكده على حق الجميع في التعليم. وتشير نتائج دراسة الحملة الوطنية للعودة إلى المدارس ” نحو عودة آمنة لمدارسنا” والتي استطلعت آراء( 12500( مواطن من مختلف الأعمار إلى أن) 55%( من طلبة المدارس الحكومية لم يتمكنوا من دخول المنصة بانتظام مقابل) 31%( من المدارس الخاصة، وان) 79%( من الأهالي يساعدون في حل الواجب و (56 %( في أداء الامتحان ، (81%) من الأهل أشاروا إلى انحدار المستوى الدراسي للأبناء/البنات. ونشير إلى ظاهرة تسرب أعداد كبيرة في التعليم الإلكتروني لن يتسن للمدارس متابعتها.
عثمان: بما أن الانسان كائن اجتماعي فان وجود الطفل في المدرسة يتفاعل مع أقرانه يجعله ينمو اجتماعياً ويكتسب مهارات اجتماعية لا تتوفر الا في هذا الجو لذلك فان انعزال الطلاب في البيوت يحرمهم من هذا النمو الاجتماعي علاوة على ما أفرزه من تداعيات نفسية على الأطفال وعلى الأسرة، حيث تفيد الدراسات بارتفاع نسبة العنف الأسري وغيرها من الامراض النفسية وكذلك هناك تداعيات اقتصادية خصوصاً على الأمهات العاملات، حيث اضطر معظمهن إما لأخذ اجازات بدون راتب أو الانقطاع عن العمل وبنسبة أقل لأولياء الأمور من الآباء.
*في ضوء الجوانب الإيجابية والسلبية للتعليم عن بعد هل يمكن الإبقاء على هذا النمط في مراحل التمدرس والمراحل العليا، خاصة للطلبة الجامعيين في العلوم الإنسانية والأدبية، التي لا تحتاج لدروس عملية.
لصوي: التعلم عن بعد خاصة في مرحلة التعليم العالي وللتخصصات الإنسانية والأدبية كان جزءاً من المنظومة التعليمية في الأردن، وتم إلغاؤه لأسباب موضوعية حينها، كان الأولى تطويره وبناءه بما يتناسب مع حق التعليم لكل طبقات المجتمع وبكافة الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
دعم المعلم وإعطاؤه حقه ومكانته، تحمل المدارس والجامعات الخاصة مسؤولياتها المجتمعية في ظل هذا الظرف الاستثنائي، تحمل الدولة مسؤولياتها وتوفير التعليم لكافة طبقات المجتمع ومواجهة ذلك بقرارات تنصف الطالب اقتصاديا وتحقق العدالة الاجتماعية هي السبل للخروج من أزمة التعليم في زمن كورونا.
د. زكريا: التعلم الجيد هو الذي يقوم على استخدام كافة الحواس والجوانب الحركية والعصبية والنفسية وهذا يتحقق بالتفاعل والتواصل البشريين المباشر بين المتعلمين أنفسهم والمعلمين وتوفير الاستثارة الذهنية وإشباع الفضول والنهم للمعرفة وإجابة التساؤلات التي تدور في أذهان الطلبة.
أما في ما يتعلق بالتعليم الجامعي فإن فرص توظيف التعليم عن بُعد واستثماره بشكل أفضل تبقى قائمة بشرط تطويرها وخصوصا إجراءات التقييم والامتحانات ومنع الغش وتحسين النمط التفاعلي بين الاستاذ والطلبة على اختلاف تخصصاتهم، لكن ينبغي استثناء المواد التي تتطلب تفاعلا مباشرا كالمختبرات والمواد العلمية وبعض التخصصات الانسانية. أما بقية المستويات الصفية والمراحل فيمكن المزج بين نوعي التعليم بما يسمى “النمط الهجين أو المدمج” والذي يجمع بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بُعد بحيث يتم الأخذ بأفضل ميزات النظامين وبما يخدم المتعلمين ويحفظ نموهم الاجتماعي والنفسي ويخدم المعلمين لتطوير مهاراتهم المهنية.
عثمان: حتى مع انتهاء الجائحة فان الحاجة للتعليم عن بعد تبقى موجودة وملحة لأن في ذلك توفير للوقت والجهد والمال كما أن ذلك يقلل من الاختناقات المرورية والحاجة لأعداد من الموظفين، حيث تحل التكنولوجيا (الرقمية) الكثير من المشاكل البيروقراطية ومن السهولة بمكان العلوم الإنسانية عن بعد طبعاُ مع تطوير المحاضرات من خلال المؤثرات الصوتية والصور وغيرهما من الوسائل المساعدة والمشوقة في الآن ذاته.
وبما أننا ندخل عالم ال J5 ومنه الى J6 ، حيث تقل الفروقات بين الانسان والآلة الذكية فانه وكما نقلت الثورة الصناعية الأسرة من البيت للمصنع والشركة فان الثورة الرقمية تعيد الانسان للبيت من جديد وإن كان هذا البيت ذكياً. وإن استمرار الانهماك في الأنترنت يؤدي الى تغيرات فسيولوجية في أدمغتنا وبالتالي بالطرق التي نفكر بها، كما يؤدي ذلك الى إعادة تشكيل وصلاتنا العصبية وهذا ما يقرب المسافة بين الانسان والآلة ويصبح الانسان قادراً على آداء معظم اعماله من البيت.
وخصتنا الناشطة الاجتماعية غنوة كافور بدراسة أجابت فيها حول سؤالنا:
*ما التداعيات النفسية للتعليم عن بعد على الأسرة الأردنية؟
مع بدء اتخاذ الحكومات قرار تخفيف القيود التي فرضتها جائحة كورونا، وما صحبها من قرار العودة للمدارس حيث يستعد الطلبة والمعلمون للقاء وجاهيًّا بعد سلسلة من التحولات في فضاء التعليم والتعلم، واختلاف في الأولويات، مما يحتاج لمنهجيات جديدة تدعم الطلبة في الانتقال إلى الفصل الدراسي، وفي الوقت نفسه تدعم المعلمين في إدارة هذا الانتقال وتعزيز مشاعر الأمان وتخفيف حالة القلق التي تصاحب العودة، فحين اختلفت الأولويات صار لزاما تعديل وتطوير الخطط المدرسية بحيث تصبح خطط الدعم النفسي للانتقال على رأس الأولويات. وفي هذه المقالة سنستعرض أكثر من جانب حول كيفية دعم هذا الانتقال.
يشكل الدعم النفسي أساسًا في هذه المرحلة، فعلى الرغم من الوضوح الإعلامي العالمي حول طبيعة الفيروس، والحالات المصابة، وعدد الوفيات، وحالات الشفاء، وتطورات إنتاج اللقاح المعالج. إلّا أنّ هذ الوضوح قد يشكل عبئًا نفسيًّا على الطلبة على اختلاف أعمارهم. مما يحتاج إلى التدخل وذلك بالتحقق من صحة الطلبة النفسية بالاستماع إليهم وهم يعبرون عن مشاعرهم ومخاوفهم، ولا مانع من الحديث عن المشاعر التي صاحبت عودتهم للمدرسة سواء السلبي منها كالخوف والقلق، أو الإيجابي كتجدد الأمل السعادة بلقاء الرفاق والزملاء، وسيكون من المهم الإصغاء بعمق، حتى وإذا كانت هذه المشاعر شديدة أو مضطربة، ولابد من إظهار التفهم والتعاطف، وقد يكون السماح لطالب أو أكثر بإدارة جلسات الحديث أو تنظيمها توجهًا مقبولًا لأنها تتيح الفرصة لهم لتحديد قضاياهم وإبراز وجهات نظرهم وبل وتساعد في فتح حوار حول طبيعة هذه المخاوف وكيف يمكن التخلص منها.
لا شك أن الوضوح والصراحة هما المطلوبان في هذه المرحلة وليس الطمأنة، حيث سيتوجه الطلبة إلى مدارسهم وهم على الأرجح يحدوهم القلق والخوف، وعليه يجب أن نشجّعهم ونعزّز لديهم مهارات التفكير الواقعي للتوصل إلى حلول لمخاوفهم الخاصة حيثما أمكن ذلك – “ما الذي يمكنك فعله هنا لتهدئة نفسك؟ ” أو “ما هي الخيارات المتاحة لدينا هنا بدلاً من مجرد تجنبها؟”
لقد اعتدنا على سماع عبارة المعلم قدوة للطلبة، ونحن في هذه المرحلة الدقيقة أكثر ما يكون بحاجة أن نكون قدوة في سلوكيات التكيف الجيدة – الهدوء والصدق والاهتمام- لأنّ الطلبة سوف يتطلعون إلى معلميهم كقدوة ولا نستطيع أن ننكر دورنا كمحرك لهؤلاء الطلبة، بل ومن المناسب أن نكون منفتحين وصادقين معهم بطريقة مناسبة من الناحية التربوية، خاصة في الإجابة عن أسئلتهم حول المستقبل. قد يعني ذلك:
● مساعدتهم على فهم أن إغلاق المدارس في المستقبل قد يكون احتمالًا.
● الاعتراف بأن زملاءهم (أو معلميهم) قد يصابون بمرض. COVID-19
● الصراحة بشأن المواقف المسببة للتوتر التي قد تحدث خلال العام الدراسي القادم والتي لم نتوقعها بعد.
اننا وفي مرحلة العودة للمدارس سنواجه الكثير من المفاهيم الاجتماعية التي كنّا نعمل على تعزيزها قد تبدلت دلالاتها، كالحب، التشارك، التقارب. لقد صار لزامًا علينا توجيههم لعدم مشاركة الطعام، والألعاب، وعدم الاقتراب أو التلامس، بل ولابد من جلسات تثقيفية لكيفية استخدام المعقمات، وغسل اليدين، وكيفية الدخول أو الخروج من الصفوف، وفي غمرة هذا علينا أن ندرك أيضًا أن الأطفال في مرحلة رياض الأطفال وسنوات الدراسة الأولية هم في عتبات التعلم الأولى حيث متلازمة الجلوس أمام جهاز الحاسوب لتلقي المعلومات خلال رحلة التعلم عن بعد قد كان لها تأثير على تلقيهم التعليمات المباشرة – هذا إذا افترضنا أن جميع هؤلاء الأطفال قد حصلوا على فرصة التعلم عن بعد- ، كما أنها عمقت بعض السلوكيات كفرط الحركة، ورفض تقبل التعليمات الموجهة، والغضب والانفعال المصاحب لعدم التكيف. إلى جانب تأثيرها على النماء المعرفي والتواصلي خاصة للأطفال الذين يمثلون الطفل الأول للعائلة، أو الذين ترصد فروقات عمرية بينهم وبين أشقائهم. أو أنهم يعانون من صعوبات كالتوحّد، أو حالات غياب التركيز السمعي والبصري، عسر القراءة وغيرها من الصعوبات التي من الضروري العمل على الإحاطة بها.
ختامًا، علينا أن نعترف كمربين معلمين وأولياء أمور بأن المهمة المتصلة بالعودة للمدارس تحتاج منا إلى العناية المكثفة بالدعم النفسي لأبنائنا ولمزيد من التركيز على الجوانب المهارية لنقلل من الفاقد التعلمي الذي يحتاجونه في كل محطة من محطات حياتهم.