هناك إقرار شامل على المستويين الشعبي والرسمي ان البلاد كانت تخضع لأزمة عامة اقتصادية واجتماعية وسياسية. وجاءت جائحة كورونا لتعمق الأزمة وتعطيها أبعاداً جديدة شديدة الخطورة. وأصبح مطلوباً تأمين أوسع تكاثف شعبي ورسمي للتصدي للمهام الجديدة ووضع السياسات والخطط لمختلف القطاعات والأوضاع لمواجهة التداعيات الكارثية للزلزال الجديد.
لقد ألحقت جائحة كورونا خسائر كبيرة في اقتصاد البلاد مما ساهم في زيادة وتعميق الصعوبات الاجتماعية والسياسية. إذ يقدر أن يتراجع معدل النمو بما يزيد عن 4%هذا في الوقت الذي يقدر أن يبلغ معدل البطالة ما يزيد عن 30 % جنباً الى جنب مع زيادة معدل الفقر وتحديداً معدل الفقر المدقع.
ولا يتوقف الأمر عند زيادة البطالة جراء التراجع الاقتصادي في البلاد، بل يتوقع عودة آلاف العاملين الأردنيين في الخارج وخاصة في الدول الخليجية. ودخلت البلد في حالة من الكساد الاقتصادي غير المسبوق. وأصيبت قطاعات محددة بضربات موجعة وفي مقدمتها قطاع السياحة وقطاع النقل والعديد من فروع التجارة وقطاع الانشاءات وبناء الشقق السكنية وغيرها. وأصبحت آلاف العائلات بدون دخل لأن معيليها يعملون في القطاع غير النظامي، والذين توقفوا عن العمل. وهكذا اشتدت الأزمة المعيشية وتزايد معدل الفقر بشكل ملحوظ. فقد آلاف العمال أعمالهم مع تراجع واضح في الأجور للعاملين تزيد احياناً عن 50 % من الأجر.
وبجانب هذه القضايا وغيرها ارتفعت المديونية العامة وتقدر بما يزيد عن 105 % من الناتج المحلي الإجمالي.
الأزمة الاقتصادية العميقة وتداعياتها الاجتماعية والسياسية أصبحت تستدعي جهداً استثنائياً لعودة الحياة الى حالتها الطبيعية، ولذلك اشتدت الدعوات لتشكيل لجنة وطنية واسعة تشمل الخبراء وأصحاب الكفاءة من مختلف القطاعات لتدارس هذه الحالة ووضع المقترحات لمعالجتها، جنباً الى جنب مع ضرورة اطلاع الشعب على تفاصيل الحالة السائدة لضمان ردات الفعل الإيجابية وتحقيق أوسع اشكال التماسك الوطني، هذه الدعوة أهملت رغم أهميتها وأصبح المواطنون نهباً للشائعات، علماً أن الوضع المعيشي سهل الاستجابة لذلك. وهنا اشتد اللجوء الى الإجراءات الأمنية للتصدي للتداعيات المختلفة لا سيما السلبية منها.
ولا شك أن قضية نقابة المعلمين قد أعلنت حالة من الإجراءات الأمنية مع تغييب واضح للعدالة في الإجراءات، الأمر الذي قاد بالضرورة الى تخفيض سقف الحريات العامة، وفجر حراكاَ شعبياً واسعاً.
والأن نقف أمام استحقاق دستوري وهو اجراء الانتخابات النيابية. ويتم التحضير لهذا الحدث الهام في حياة البلاد في ظل الإجراءات المتخذة بسبب جائحة كورونا، حيث لا يجوز تجمع أكثر من عشرين شخصاً مع وجوب لباس الكمامة والحفاظ على التباعد الجسدي، الأمر الذي يكشف صعوبة بل غياب الدعاية الانتخابية ويفسح المجال رحباً امام المال الأسود في ظل الظروف المعيشية الصعبة واتساع التحضير لقوائم “الحشوات” المتوفرة الشروط لتكوينها.
والأهم من كل هذا أنه في الوقت الذي يمنع تجمع أكثر من عشرين شخصاً فانه تجري اجتماعات عشائرية يحضرها المئات بل الألوف أحياناً لانتخاب مرشحي العشائر، الأمر المخالف لأوامر الدفاع ويعزز في ذات الوقت الترشح بعيداً عن القوائم الحزبية مع تخفيض دور المرأة. هذه الانتخابات العشائرية هي ثمرة قانون الصوت الواحد ولا تنسجم مع تعزيز مبدأ دولة المؤسسات والقانون، علماً ان قانون القائمة النسبية المفتوحة لم يخلق حالة ديمقراطية حقيقية بل رسخ الفردية وفسح المجال للجوء المكشوف لنظام الحشوات، وان الاتجاهات تذهب لمرشح وحيد في القائمة وليس للقائمة كاملة. لقد كان الأولى مراجعة قانون الانتخاب وإدخال التعديلات الضرورية لجعله قانوناً يفرز مجلساً نيابياً فعالاً في مجال الرقابة والتشريع ويمثل حقيقة توجهات الجماهير الشعبية وليس الكتل العشائرية.
والغريب في الأمر انه لا يسمح لاجتماع المئات بل الآلاف للانتخابات العشائرية امام حضور ورقابة الجهات الرسمية!.
وفي حين تركز الدعاية الرسمية على ضرورة الاهتمام بالشباب والنساء والاهتمام بالبرامج الخاصة بالمرشحين والتي تسمح بتكوين الكتل داخل البرلمان، فان السلسلة المكشوفة من الإجراءات تذهب علناً عكس هذه التوجهات ويضاف كل ذلك الهجوم المكشوف على الأحزاب وعلى الحياة السياسية في البلاد. ويتجلى ذلك في قانون تمويل الأحزاب الذي أعيد النظر به بمناسبة الانتخابات النيابية. فالقانون يضع حدوداً وسقوفاً للتمويل لا يوجد لها شبيه في جميع ارجاء العالم. ويقيد القانون حركة الأحزاب ونشاطها ويلزمها بحدود وأعداد محددة للترشح في الانتخابات. بينما لا توجد إمكانية للدعاية الانتخابية وللتجمعات من أجل هذا الهدف، ومن أجل برامج الأحزاب والحوار حولها مع الجمهور.
هذه العوائق الكثيرة في حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تضع الجميع أمام مسؤوليات صعبة، خاصة في ظل حملات الاعتقال التي شملت وتشمل العشرات في تناقض مع قوانين حقوق الانسان والقوانين الأردنية الناظمة للحياة العامة. علماً ان بعض هذه الإجراءات قديم وبعضها الآخر جديد. ورغم كل ذلك فقد قرر حزبنا خوض الانتخابات النيابية ليس لتأييد قانون الانتخاب والإجراءات المجافية للمنطق والحياة الديمقراطية، بل من أجل النضال ضد هذه الإجراءات ومن اجل إقرار قوانين بناء الحياة المؤسسية الديمقراطية. وان مقاطعة الانتخابات كما يطالب البعض تعني من حيث المبدأ تغييب الرؤية الوطنية لبناء الحياة السياسية.
ونحن نعلم انه في جميع حالات مقاطعة الانتخابات كان يتم التعامل مع البرلمان المقاطع باعتباره البرلمان الدستوري في البلاد.