من المعروف أن الأردن كان يعاني من أزمة اقتصادية عميقة طوال الأعوام السابقة، وجاءت جائحة كورونا لتعمق هذه الأزمة وتعطيها أبعاداً شديدة السلبية.
هناك شبه اجماع بين العديد من الخبراء الاقتصاديين في البلاد وبين بعض ممثلي القطاعين العام والخاص على ضرورة إعادة النظر في السياسة الاقتصادية من جهة ووضع خطة اقتصادية شاملة لمواجهة افرازات كورونا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية. التقديرات الأولية لأهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، تفترض بسبب خطورتها اللجوء الى إجراءات وسياسات فعالة واستثنائية للتصدي لتداعياتها. وكما هو الحال في بقية أنحاء العالم يتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي في بلادنا، ويتوقع أن يبلغ الانكماش ما يزيد عن 3.5 % من اجمالي الناتج المحلي لهذا العام 2020 حسب تقديرات مؤسسات دولية متعددة، مع زيادة كبيرة جداً في عجز الموازنة قد تصل 2.5 مليار دينار، علماً ان انخفاض الإيرادات بلغ في الربع الأول من العام الحالي حوالي 602 مليون دينار. وتوجد تقديرات إيجابية تشير الى أن حملة مقاومة الفساد والتهرب الضريبي قد تعوض جزءاً هاماً من هذا التراجع حتى نهاية العام.
إن الوضع الاقتصادي الناشئ من أزمة كورونا بمختلف تعقيداته يتطلب التمويل الضروري لمواجهة المتطلبات الجديدة، وتوفير الانفاق الضروري في عدة مجالات، الأمر الذي يؤكد ضرورة اللجوء الى الاقتراض، والذي قد يرفع الدين العام الى حوالي 110 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع ما يترتب على ذلك من زيادة في خدمة الدين، الأمر الذي يتطلب محاولة عدم تسديد خدمة الدين لهذا العام واللجوء الى الاقتراض بفوائد متدنية ولآماد زمنية طويلة.
وتشير مختلف التوقعات الى أن معدل البطالة قد يصل الى 30 % هذا مع زيادة أخرى قد تنجم عن فقدان العديد من الأردنيين لفرص العمل في الخارج. ويعتقد أنه يوجد ما يقارب من 700 ألف أردني يعملون في الخارج ومعظمهم في الدول الخليجية التي بدأت تتخذ إجراءات لتقليص حجم العمالة الوافدة لديها.
ولا يتوقف الأمر عند الزيادة الجديدة في معدل البطالة من هذه الناحية، ولكنه سيؤدي الى تقليص حوالات العاملين في الخارج، والتي تشكل مع الدخل السياحي مصدراً هاماً للعملة الصعبة في البلاد. ويتوقع أن يرتفع معدل الفقر كثيراً، ويقدر البعض أنه سيزيد عن 25 % هذا مع العلم أن ما يزيد عن 50 % من قوة العمل تعمل في القطاع غير النظامي وهي بدون أية ضمانات معيشية وفي غالب الأحوال تعيش على دخلها كل يوم بيومه الأمر الذي يهدد بزيادة معدل الفقر واحتمال انتشار حالات من المجاعة، علماً أن الجهات الدولية تقدر أن ما يزيد عن 300 مليون انسان سيعانون من المجاعة على الصعيد العالمي، وأن أكثر من 200 مليون سيعانون من البطالة بينهم أكثر من خمسة ملايين في البلاد العربية.
وبجانب كل ذلك فان تكاليف المعيشة سترتفع وسيعاني المواطنون من الغلاء في ظل تراجع الدخل الفردي وركود أو تراجع الأجور والرواتب، وسينخفض الطلب الكلي في البلاد الأمر الذي سيساهم في تعميق أزمة الانكماش الاقتصادي وهناك قضايا شديدة التأثير على المواطنين والتي من أهمها ارتفاع تكاليف التعليم على مختلف المستويات وخاصة الجامعي، وارتفاع تكاليف الطبابة مع ارتفاع أسعار الأدوية، خاصة وإن نسبة كبيرة من المواطنين ليست مشمولة بالتأمين الصحي، علماً أن آلاف العائلات تعاني من الفقر وتتلقى حالياً دعماً حكومياً.
أما القضية الهامة والمؤثرة في الوضع الاقتصادي هي العمل على استعادة الاقتصاد نشاطه ومعالجة أوضاع مختلف القطاعات كل على حدة ولكن في إطار خطة شاملة للخروج من الحالة الاستثنائية الصعبة التي أوصلتنا اليها أزمة كورونا. فاستعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية تستلزم بالضرورة الوقوف عند النواقص التي كشفتها الأزمة والاستفادة بشكل عام من التجربة الصعبة التي عاشتها البلاد ويأتي في مقدمة القضايا الملحة إجراء تقييم شامل للمتطلبات الضرورية لاستدامة النشاط الاقتصادي واستمرار المنشآت في نشاطها. وهذا يتطلب توفير السيولة المالية بالدرجة الأولى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل الركن الأهم في الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تقديم تسهيلات مالية لها بمعدلات فائدة منخفضة وتقديم حوافز ضريبية وتسهيلات بنكية، إذ من الضروري أن يلعب الجهاز المصرفي دوراً فعالاً بهذا الخصوص باشراف وتوجيه البنك المركزي.
ولا شك أن البنك المركزي لعب دوراً هاماً حتى الآن لجهة توفير المساعدة والسيولة لبعض المنشآت وكذلك من خلال الاتفاق مع الجهاز المصرفي على العديد من الخطوات بهذا الخصوص، وبغض النظر عما إذا تم تنفيذ هذه الاتفاقات بشكل مناسب، إلا أنه لا بد من التأكيد على دور الجهاز المصرفي باتخاذ إجراءات إضافية بمراقبة البنك المركزي كتخفيض أسعار الفائدة بنسبة كبيرة وضخ السيولة الإضافية الكافية لتنشيط حركة الإنتاج والأسواق.
ولا شك ان الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي والجهاز المصرفي والضمان الاجتماعي للتعامل مع الوضع الحالي الصعب، لعبت دوراً هاماً رغم الكثير من الملاحظات حولها. ولكنها ساهمت في البداية بتوفير إمكانيات لدفع أجور ورواتب العاملين، وإعادة النشاط الاقتصادي ولو بشكل تدريجي. ولكن الأمر يتطلب إعادة النظر ببنود الموازنة العامة على قاعدة ان الكثير من التوقعات التي تم البناء عليها قد تغيرت ولا سيما انخفاض الإيرادات العامة وتعطل عجلة الاقتصاد. الأمر الذي يتطلب إعداد موازنة جديدة يتم بحثها وبالسرعة الممكنة مع اللجان المختصة في البرلمان وبمشاركة الخبراء والاختصاصيين والقطاع الخاص، ويتم اعتمادها كخطة طوارئ بديلة.
ولا بد من التوقف عند حالة بعض القطاعات والإجراءات المستعجلة لمعالجة مشاكلها. وقد بينت الأزمة أن هناك قطاعات أثبتت قدرتها على الاستمرار وإنها تستحق الدعم والمساندة كالصناعات الدوائية والطبية والصناعات الغذائية والحيوانية وخاصة توفير الدعم المالي لها بشروط ميسرة كتخفيض الضرائب على القطاع الخاص ومدخلات الإنتاج. والبحث في كيفية مواجهة قروض والتزامات هذه الجهات. ولكن من الواضح أن هناك قطاعات تعاني من عدم القدرة على التأقلم وفي مقدمتها قطاع السياحة المتضرر بشكل واسع وحوالات العاملين في الخارج وتراجع الصادرات.
ويحتل الموقف من قطاع الزراعة مكانة خاصة إذ أن لهذا القطاع أهمية كبيرة في تأمين معدل مرتفع للأمن الغذائي، خاصة وإن الأردن يستورد نسبة عالية من الغذاء. ولذلك يجب إيلاء هذا القطاع أهمية خاصة من أجل زيادة مختلف المنتجات الزراعية وفي الدرجة الأولى تأمين الحاجة من القمح ومختلف الاعلاف. وثانياً لزيادة استثمار الأراضي الزراعية وتوفير منتجات زراعية للتصنيع. ومع ضرورة وضع خطة خاصة بهذا القطاع، الا أنه من الأهمية بمكان الغاء ديون المزارعين وتوفير فرص الاقتراض بشروط ميسرة مع ضرورة انشاء محطة زراعية في مختلف المحافظات تحتوي على آليات زراعية كالتراكتورات للحراثة والحصادات مع وجود جهاز للإرشاد الزراعي، الأمر الذي يسهل للمزارعين تنفيذ الخطة الزراعية من جهة واستئجار الآلات الزراعية بأسعار مناسبة من جهة ثانية.
ونؤكد مرة أخرى أن مواجهة تداعيات كورونا اقتصادياً تتطلب وضع خطة شاملة للمدى القصير والمتوسط وتوسيع دور الشعب بمختلف فئاته بهذه العملية وذلك من خلال إطلاق الحريات العامة والاستفادة من الكفاءات الوطنية أينما كانت، لأن تأثير هذه الأزمة سيمتد لسنوات لاحقة، وإن حماية مصير البلاد يجب أن يستند الى الدعم السياسي للقوى الوطنية والديمقراطية ووضع حد لسياسة كم الأفواه واجراء الاعتقالات الكيفية وتوسيع سلطة القانون.