الأجواء العامة عشية الانتخابات
أقرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني “تقدير موقف” لانتخابات المجلس النيابي التاسع عشر حللت في مستهله الظروف السياسية والاقتصادية والصحية المرتبطة بانتشار وباء كورونا، والتي جرت في ظلها هذه الانتخابات. والتي أكدت بأدلة ملموسة متواترة بأن التحالف الطبقي الحاكم لا زال يجنح باتجاه اقصاء القوى الشعبية وممثليها عن البرلمان وبأنه عاقد العزم على احتكار السلطة والاستفراد بها.
وأشار التقرير الى إصرار الأجهزة المعنية بالانتخابات على اجرائها وفق قانون صمّمت على عدم تعديله بما يفي بمتطلبات تشكيل مجلس نيابي يعكس التمثيل الصحيح لشعبنا الأردني، ويوفر شروطاً ملائمة لقيام مجلس نيابي قادر على انجاز المهام الملقاة على عاتقه.
وانتقد التقدير التصريحات المتكررة لمسؤولي الهيئة المستقلة للانتخابات التي أفادت بأن الإجراءات الوقائية المتخذة من قبلها كافية لأن تبدد أي قلق لدى الناخبين من زيادة فرص الإصابة عند توجههم الى مراكز الاقتراع.
كما انتقد رفض الهيئة المستقلة للانتخابات التجاوب مع المطالب التي تقدم بها حزبنا وجهات عديدة أخرى، بتأجيل الانتخابات الى موعد لاحق، قد تتهيأ لها ظروف فيه صحية أفضل، وتكفل للمرشحين فرصاً للتواصل المباشر مع ناخبيهم، ولممارسة الدعاية الانتخابية.
كما بيّن التقدير الأثر السلبي لاستمرار مفاعيل قانون الجرائم الالكترونية الذي تم الاتكاء عليه للتنكيل بأصحاب الآراء المعارضة وتقليص الهامش المتاح للدعاية الانتخابية.
واعتبر التقرير أن تدخل الحكومة والأجهزة الأمنية في العملية الانتخابية قد حالت دون ترشح عدد من المرشحين ومنهم نواب سابقون، مما أسهم بعرقلة تشكيل القوائم الانتخابية في العديد من الدوائر، كما لوحظ، تركيب وتفكيك وإعادة تشكيل بعض القوائم بين ليلة وضحاها.
وقد وفر هذا التدخل أيضاً مزيداً من الأدلة للطروحات التي اعتبرت الانتخابات “معلبّة” ونتائجها في غالبية الدوائر محسومة سلفاً. وأدى الى حدوث اعتراض واسع على نتائج الانتخابات تمثل في تقديم عدد من الطعون في النتائج هو الأكبر في تاريخ الانتخابات النيابية الأردنية.
وقد أبرزت اللجنة المركزية في تقديرها الأثر السلبي لاستمرار الضغوط الاقتصادية والمعيشية، التي تفاقمت واستفحلت، على الغالبية الساحقة من الناخبين في ظل تفشي جائحة كورونا وارتفاع معدلات البطالة واتساع مساحات الفقر وعجز أعداد غفيرة من الأسر عن تأمين احتياجاتها الأساسية، الأمر الذي وفر تربة خصبة لاستخدام “المال الأسود” بصورة غير مسبوقة.
دوافع المشاركة
وأوضحت اللجنة المركزية للحزب الدوافع الأساسية لمشاركته في الانتخابات رغم ادراكه للظروف غير المواتية التي تجري في ظلها. ومن أهم هذه الدوافع التي أبرزها التقدير أنه لا يجوز للحزب السياسي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات للبرلمان أياً كانت طبيعة تركيبته، ما لم يكن هذا التغيير المنشود قابلاً للتحقق بوسائل أخرى غير المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو أن المشاركة في الانتخابات تقطع الطريق على الحركة الجماهيرية المتوثبة لإنجاز مقدمات عملية التغيير، وثانياً أن الانتخابات هي معارك ميدانية يكتشف الحزب من خلالها نقاط ضعفه ومواقع قوّته، يمتحن فيها كوادره وأعضاءه ويتعرف على قدراتهم الحقيقية، كما يكتشف الحزب مدى مواءمة ونضج التحالفات السياسية للظروف الملموسة القائمة، ومدى قناعة المواطنين بها وبجديتها.
وقد لفت التقرير الانتباه الى أن دعوات المقاطعة لم تقترن بتشكيل آليات عمل بديلة يركن اليها في تحقيق ما هو أفضل، بما تحققه المشاركة في الانتخابات والتي أشرنا آنفاً لبعض منها.
أوجه عوار العملية الانتخابية والتداعيات
وأدان الحزب في تقريره سلوك الأجهزة الرسمية في فترة ما قبل الانتخابات وأثنائها الذي يتعدى أثره وتأثيره المجلس النيابي الذي يتشكل كخاتمة لهذا السلوك، ويطال أي انتخابات قادمة، وتكون نتيجته اما تحفيز المشاركة الشعبية منها أو على العكس دفع الناس نحو مزيد من العزوف عن المشاركة فيها ومقاطعتها، الأمر الذي يسهم في تعمق هوة الثقة بين الحاكمين والمحكومين، ويرفع من منسوب الاحتقان.
وأكد التقدير أن الانتخابات قد قصرت في أن تفي بمعايير النزاهة والحياد الحكومي التام والخيار الحر للناخبين، وجرى الدفع بالأمور بحيث ينحصر التنافس بين مرشحين قريبين من دوائر صنع القرار ويحظون بمساندتها ودعمها أو مرشحين لهم حظوة ونفوذ وثقل عشائري في مناطقهم دون أن يكون لهم ممارسة سابقة في مجال العمل العام، او يمتلكون إمكانات مالية ضخمة لا يتورع بعضهم عن استخدامها لتحقيق الفوز بشكل يتعارض مع أحكام القانون في إطار ما يسمى بـ “المال الأسود” مستغلين قدرتهم على التملص من الوقوع تحت طائلة المسؤولية الجنائية ومن العقاب بالتمويه والفهلوة وبتواطؤ من الفاسدين ضعاف النفوس والمناعة الوطنية.
وقد ندد التقدير بمؤسسة الفساد التي ساهمت في تشويه العملية الانتخابية وفي إيصال مرشحين لا يمتلكون أي حيثية شعبية، ويصعب فوزهم بالمقعد النيابي بدون “المال الأسود”.
وخلص التقدير الى أن هذه الوقائع ستهوي بهيبة المجلس النيابي وتؤدي الى تراجع الثقة فيه حتى من قبل فئة من الـ 29% الذين شاركوا في عملية الاقتراع.
اتهامات لا سند لها
وعبرت اللجنة المركزية في تقديرها عن استنكارها لحملة الانتقادات والاتهامات الظالمة التي عزت مشاركة الأحزاب اليسارية والقومية الى دوافع لا تمت للواقع بصلة، تم استدراجها للمشاركة “طمعاً” في الحصول على الدعم المالي.
وأكد الحزب ان الوقائع التاريخية تدحض هذه الافتراءات. وأن الحزب لم يتخلف عن المشاركة في أي انتخابات نيابية جرت منذ تأسيسه ولغاية الآن، باستثناء عدم المشاركة في انتخابات المجلس النيابي السابع عشر التي جرت في كانون ثاني/ يناير عام 2013 والتي تشكل استثناء للقاعدة. ودأب الحزب على المشاركة في الانتخابات مهما كانت الظروف التي تجري في ظلها غير مواتية. والحزب في هذه المرة لم يشذ عن هذه القاعدة.
كما وشدد التقدير على أنه لم يكن وارداً في ذهن الحزب التستر على قانون الانتخابات الذي كان ويبقى عائقاً جدياً امام تشكيل مجلس نيابي يلبي طموحات شعبنا ويستجيب للمهام الدستورية الملقاة على عاتقه. كما أن ومشاركة الحزب في هذه الانتخابات لم تمنعه من اعلان موقف صريح من كل المعوقات الجدية التي حرمت بلدنا من أن يشهد انتخابات حرة، ديمقراطية ونزيهة، بل على العكس، فقد سمحت له أن يشهر هذه المواقف وبصورة صريحة وتعميمها على قطاع واسع من المواطنين عبر تطبيقات الفضاء الالكتروني المختلفة.
وأعربت اللجنة المركزية للحزب أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات كانت قاسية وصادمة، ومع ذلك أشارت الى ضرورة استنباط العبر منها مع تقديرها الى أن ما حصل عليه مرشحو القوى اليسارية والقومية لا يعكس بدقة نفوذهم وثقلهم الشعبي، ولا يبرهن على عدم التأييد لبرنامجهم السياسي والانتخابي والذي تم امتحان العديد من جوانب هذا البرنامج في المسيرات والحراكات الشعبية على مدى سنوات عديدة، من خلال ترديد المشاركين فيها شعارات استمدت مضامينها الأساسية من هذا البرنامج.
الخلاصة
وخلص “تقدير الموقف” الذي تبنته اللجنة المركزية بالإجماع الى أن هذه الانتخابات قصّرت في أن تشكل نقطة تحول في التجربة البرلمانية وفي الحياة السياسية في البلاد، وان تجسد التزام الحكومة بإجراء الانتخابات البرلمانية في أجواء من حرية الاختيار والنزاهة والحياد، وكذلك الالتزام بمبادئ دستورية راسخة ومستقرة تقضي بأن الشعب مصدر السلطات، وبالفصل فيما بينها والحرص على احترام وتطبيق قيم الديمقراطية وتداول السلطة وضمان المشاركة الشعبية الواسعة في صياغة السياسات العامة ومراقبة تنفيذها. وإنه ثبت بالملموس أن قانون الانتخابات بصيغته الحالية يغيّب إمكانية خلق فرص متكافئة أمام جميع المرشحين، ويجعل من مشاركة الأحزاب السياسية فيها ذات سمة شكلية تكبح قدرات (الأحزاب) على مجاراة أصحاب القدرات المالية الكبيرة.
وطالبت اللجنة المركزية المجلس النيابي الجديد بأن يضع في صدر سلّم أولوياته تعديل قانون الانتخابات من خلال حوارات معمقة مع سائر الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية والحزبية والعامة بهدف خلق توافق وطني عام وشامل حول مضامين التعديلات.
وأوضحت اللجنة المركزية الديمقراطية الحقة لا تعني فقط تنفيذ الاستحقاق الدستوري في موعده، بل تعني في المقام الأول الاعتراف بأن الديمقراطية صيغة لإدارة الخلاف في المجتمع بوسائل سلمية من خلال قواعد متفق عليها بين جميع الأطراف تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ويشترط لتحقيق هذه الصيغة إقرار الحريات والحقوق السياسية والمدنية، الاعتراف بالتعددية السياسية في المجتمع، وإقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات واستقلالية السلطة القضائية وكذلك الإقرار بأن الديمقراطية السياسية لا تتحقق الاّ ارتباطاً بتحققها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتوسيع المشاركة لفئات الشعب كافة.
وأكد الحزب أن تهميش الأحزاب السياسية يُضعف الجبهة الداخلية ويجعلها هشة في مواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني، والتصدي للمخاطر التي يعمل على خلقها.
ولفتت اللجنة المركزية في تقديرها الانتباه الى ضرورة تقييم تجربة الائتلافات الحزبية والسياسية والانتخابية، وتفعيل الحوار مع الأوساط الثقافية والفكرية والسياسية والحزبية التي قاطعت الانتخابات، والسعي من ثم لتوضيح المخاطر المترتبة على عزوف الجماهير الشعبية عن المشاركة في أي انتخابات قادمة وعلى تدني فعاليتها السياسية والاجتماعية، وانزوائها عن المشاركة النشطة في الحياة السياسية والعامة، وتوضيح مدى الضرر الذي يتركه تفشي ثقافة المقاطعة والتذيل لعفوية الجماهير والانسياق وراء ردود أفعالها التي تتسم بالانفعال الناجم عن تراكم الاحباطات وخيبات الأمل من النهج السياسي والاقتصادي السائد وتداعياته الاجتماعية والنفسية.
واختتمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني تقديرها بالإشادة بجميع الرفاق الذين تجاوبوا مع توجه وقرار الحزب في ترشيح أنفسهم وانخرطوا في هذه المعركة، رغم ادراكهم للمعوقات التي تعترض العملية الانتخابية وتحول دون فوزهم، وواصلوا خوض المعركة الانتخابية، رغم تعرض بعضهم لحملات ظالمة من الافتراء ورغم تقاعس البعض من رفاقهم السابقين عن دعمهم والوقوف الى جانبهم بدعوى المقاطعة، وتوجهت بالشكر الجزيل لكل الرفاق (ومنهم رفاق خارج التنظيم الحزبي) والأصدقاء والأنصار الذين آزروا مرشحي الحزب ودافعوا عنه وفندوا الافتراءات التي كالها البعض اليه وتشيد بتلقيهم النتيجة القاسية برحابة صدر وبإصرار على ادراك ومواجهة أسبابها الحقيقية دون مبالغة أو تهويل، وفي نفس الوقت دون تقليل أو استخفاف، معربة عن الثقة بقدرة الحزب على اجراء معالجة هذه الأسباب وتجاوز تداعياتها، واستخلاص الاستنتاجات الضرورية، واتخاذ القرارات الكفيلة بتعزيز نفوذه والاستعداد لخوض المعارك الوطنية والاجتماعية والانتخابية القادمة.