شهدت نتائج الانتخابات النيابية حالة من الطعن غير مسبوقة في تاريخ البلاد. فقد قدم للقضاء حوالي ستين طعناً من قبل مرشحين لم يحالفهم الحظ، ومن المقرر أن يبت فيها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر ناهيك عن العشرات الذين عبروا عن شكهم في النتائج، وان بعضهم يقول لا فائدة من الطعن او الاعتراض، وعبر بعضهم بوضوح عن شكوكهم وطعنهم علناً بنتائج الانتخابات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم وجه رسائل شديدة الوضوح في الطعن بالنتائج الى المسؤولين الأردنيين.
وأشار البعض الى أنهم منعوا من ممارسة حقهم في مراقبة الانتخابات رغم كونهم مرشحين!!!. الشكاوى كثيرة ومتعددة حول سير العملية الانتخابية وحول نتائجها وتشير بعض التسريبات الى أن الجهات القضائية قررت إعادة الفرز في العديد من الدوائر وبعض المحافظات.
إعادة الفرز ومهما تكون نتائجها ليست المدخل الأساسي والوحيد للإجابة عن العديد من التساؤلات والشكوك. فالحقيقة أن هناك عوامل أخرى شديدة التأثير على الرأي العام من جهة وعلى النظرة للبرلمان ودوره في حياة البلاد السياسية من جهة أخرى. إن الإصرار على اجراء الانتخابات في ظل ظروف غير مناسبة، خاصة جراء جائحة كورونا أمر ملفت للنظر، حيث يمكن من الناحية الدستورية تجنب أي فراغ دستوري في البلاد، وبالتالي تأجيل الانتخابات لفترة معينة كما ينص الدستور على ذلك. والأمر الثاني الأكثر أهمية هو قانون الانتخاب فقانون القائمة المفتوحة، والزام الترشح من خلال القائمة فقط وضع البلاد أمام تغييب دور الجماهير الحقيقي في الانتخابات، وتغييب فرص تكوين تكتلات سياسية ذات برامج واضحة ومحددة من شأنها أن تنعكس على نشاط المجلس لاحقاً.
وأكبر دليل على ذلك أن شخصاً واحداً من الغالبية الساحقة للقوائم تمكن من الفوز وبالتالي غاب نهائياً مغزى النظام الانتخابي بالقائمة النسبية المفتوحة، وهكذا تبين أن هذا النظام لا يحافظ فقط على قانون الصوت الواحد بل يعمق التداعيات السلبية بشكل عام ويقلص فرص المجلس في القيام بوظائفه الأساسية في التشريع والرقابة.
وبجانب كل ذلك فان الإجراءات التي لازمت التحضير للانتخابات قد ساهمت بشدة في العبث في نتائجها. ففي حين كان يمنع تجمع أكثر من عشرين شخصاً، فان تجمعات عشائرية حضرها المئات رغم المنع وشارك فيها رجالات الإدارة المحلية كالمحافظين وغيرهم، مما ساهم في التوصل الى تسمية المرشحين المطلوب ايصالهم الى البرلمان. بينما لم تتمكن الأحزاب من الاتصال بالجماهير من أجل الدعاية الانتخابية إضافة الى أن قانون الجرائم الالكترونية قلص كثيراً فرص الدعاية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تغني عن الدعاية العادية الجماهيرية المعروفة.
وليس معروفاً أبداً لماذا تم تمديد الانتخابات ساعتين، إذ المفروض أن يتم ذلك في حال التجمعات الكبيرة على مراكز الاقتراع، في حين كان من الواضح ضعف الاقبال على ممارسة الانتخاب، وبالتالي تحولت هذه الفترة الإضافية لتعميق نشاط المال الأسود وشراء الأصوات بشكل مكشوف، دون أي تدخل من الجهات المسؤولة. واضافة لكل ذلك فقد مورست ضغوط مكشوفة على العديد من الأشخاص لمنعهم من الترشح، ويقول بعضهم إنه كان يقال لهم، هذه ليست مرحلتكم. ومما يؤسف له أن هذه الضغوط قد أصابت قدراً من النجاح ساهم في تعميق النفور من الانتخابات.
وهكذا يبدو جلياً أن الطعن في نتائج الانتخابات لا يقتصر فقط على الطعون المقدمة للقضاء بل يشمل كذلك الموقف والآراء التي تكرست لدى أوسع الجماهير الشعبية ازاءها. علماً أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد وفي المنطقة تتطلب أوسع تكاتف ووحدة شعبية لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهها.