على وقع الاستعدادات لاحتفالية مئوية الدولة الأردنية يتحضر معلمونا للعودة لمدارسهم واستقبال أبنائنا الطلاب. ولكن في ظل غياب نقابتهم، هذه النقابة التي كانت من أبرز مكتسبات الربيع الأردني والذي جاء تتويجاً لنضالات المعلمين الأردنيين لسنوات طويلة تعود الى مطلع خمسينيات القرن الماضي عانوا خلالها الاعتقال والفصل من العمل. ولم تكن نقابة المعلمين وحدها التي طالتها الانتكاسة التي أصابت الحريات الديمقراطية والعامة كما حصل مع نقابة الأطباء وتأجيل الانتخابات النقابية عامة بحجة جائحة كورونا.
ويتقدم على كل هذه الإجراءات اللاديمقراطية تغييب قانون الانتخاب الذي تم التوافق عليه في اللجنة الوطنية للحوار التي تم تشكيلها في ظل الحراك الشعبي باعتباره المدخل الأساس والمسار الإجباري للإصلاح السياسي المنشود.
وفي حين نجح حراك الدوار الرابع في الإطاحة بحكومة الملقي إثر إصرارها على تضمين مشروع قانون ضريبة الدخل نصوصاً مجحفة بالطبقة الوسطى، إلا ان السلطة التفت كعادتها على المطالب الشعبية بتشكيل حكومة عمر الرزاز التي تبنت قانون ضريبي أكثر قسوة من المشروع التي تقدمت به حكومة الملقي، وكأن استجابة الحكومة للشارع لا تنم عن قناعة بعدالة وأحقية هذه المطالب وإنما انحناءة مؤقتة أمام العاصفة شأنها في ذلك شأن الأنظمة العربية بمجملها التي عادت لتطبيق نفس السياسات القديمة، موظفة المآسي التي حلت بالشعبين السوري والليبي نتيجة التدخل الدولي الفظ والمتعارض مع الشرعية الدولية لترويج مفهوم زائف ينطلق من أن استمرار الحراك الشعبي يعرض أمن الشعب الأردني وأمانه لمخاطر مماثلة، بمعنى مقايضة حقوق المواطن الأردني وحرياته الأساسية بما في ذلك حقه في التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي بمقتضيات الأمن والاستقرار، وكأن الأمن نقيض لممارسة الحقوق والحريات.
وهنا نذكر الحكومة أن هذا الربيع وإن لم يحقق ما كان يصبو اليه إلا أنه غرس بذرة السعي للتغيير التي ستنمو وتكبر وتزهر لتثمر حرية وعدالة اجتماعية ومشاركة سياسية وكرامة وطنية. والتربة المناسبة لهذا السعي هي الاحتقان الشعبي الآخذ في التعمق. فالمواطن محتقن جراء الأسلوب الذي تتعاطى به السلطة مع قضاياه وهمومه ولا تقيم وزناً لرأيه، فهي ترسم سياساتها في قاعات مغلقة تخطط فيها لمؤتمرات تربوية أو وضع خطط استراتيجية للطاقة وللزراعة دون أن تشرك معها أصحاب الشأن والمصلحة من مواطنين وخبراء وكفاءات فنية ومهنية.
والمواطن غاضب لأنه يُفرض عليه قانون انتخاب يدرك أنه لا يلبي طموحه في مشاركة حقيقية في الحياة السياسية، وهو بعزوفه عن المشاركة في الانتخابات يعبر عن هذا الغضب. وبذات الطريقة يعكس المواطنون مواقفهم السلبية من الحكومات المتعاقبة، الأمر الذي تؤكده استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات والأبحاث المحلية.
وكيف لا يغضب المواطن وهو يتابع تقريرين من مؤسستين تابعتين للدولة لا يفصل بينهما أسبوع الأول تقرير ديوان المحاسبة الذي يكشف عن اختلالات هيكلية وغياب متابعة جادة تعكس نفسها في المخالفات المتكررة في كل تقرير، مما يدل على انعدام الجدية في معالجة التجاوزات.
أما التقرير الآخر فهو تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الذي أظهر أن الفساد يطال غذاء ودواء الأردنيين وينخر جيوبهم، ويعصف بالعديد من مؤسسات الدولة الأردنية الأمر الذي يتهدد هيبتها ويضعف من ثقة الشعب الأردني بها.
يشعر المواطن الأردني بالمهانة وهو حتى اليوم لا يعرف مصير قاتل القاضي الأردني رائد زعيتر ولا مصير قاتل المواطنين الأردنيين (محمد الجواودة، وبشار الحمارنة) بالقرب من سفارة كيان الاحتلال بعمان. كما أن هذا المواطن ضاق ذرعاً بتسييج الحكومة لكل ساحة أو دوار يلجأ اليه للتعبير عن رأيه واحتجاجه. كما أنه يضيق ذرعاً بنظرة الحكومة للمواطنين على انهم رعايا تطالبهم بالواجبات ولا تلقي بالاً لحقوقهم المشروعة.
وكصرخة في واد تبدو مطالبة الشعب الأردني بديمقراطية حقيقية تقوم على أساس انتخابات حرة ونزيهة تستند لقانون انتخاب ديمقراطي وعصري يتيح للشعب المشاركة الحقيقية في الحكم، وببناء اقتصاد وطني بعيد عن الاملاءات والمساعدات الخارجية، وبقطع دابر الفساد والمحسوبية ونبذ سياسة تدوير المناصب بين أشخاص من ذات الطبقة السياسية وانتهاج سياسة تحقق الأمن في مجالات الغذاء والدواء والطاقة.
وأخيراً نقول إذا كانت تونس هي البشارة فربيعها بقي مزهراً على مدى العقد الفارط وبداية العقد الجديد كما هو حال الشارع اللبناني والعراقي والمغربي ولا ننسى الجزائري الذي قطع الطريق على طغمة الفساد وفلول النظام البائد بترشيح الرئيس بوتفليقة لدورة رئاسية جديدة.
إن الربيع العربي لم يكن حالة طارئة او سحابة صيف، بل هو تعبير عن تناقض بين ما تريده الشعوب وتصبو اليه من حرية وحياة كريمة واستقلال حقيقي ومشاركة سياسية، وبين ما تفرضه أنظمة متسلطة ومستبدة ترفض تغيير الأساليب والسياسات التي لم تعد تحتملها الشعوب.