تواصلت وتيرة الانتقادات لأزمة التعليم عن بعد، والذي يشكل قلقاً اجتماعياً كبيراً، ويهدد بخسارة في المخزون المعرفي لجيل كامل.
وتلقت “الجماهير” رسالة من طالب بكالوريوس يدرك حجم المشكلة ويعاني منها بشكل شخصي عبر فيها عن قلقه إزاء التعليم عن بعد، مشيراً الى حديث د. صالح سلامة بركات اعتبر فيه أن “التعليم عن بعد هو أكبر خطر على مستقبل الطالب، وإن مصلحة الطالب الحقيقية هي داخل الغرف الصيفية.
كما أشارت الرسالة الى ما أوردته الإعلامية التربوية بشرى عربيات من أن “التعليم عن بُعد هو بعد عن العملية التعليمية التي لا تتم بصورة صحيحة الا داخل الغرفة الصفية”، وتساءلت عربيات عما أعدته وزارة التربية والتعليم لإنقاذ العملية التعليمية من بوتقة التعليم عن بعد”
وتطرقت الرسالة الى عيوب وسلبيات التعليم عن بعد ومنها: سوء وضع شبكات الاتصال والإنترنت، وهُزال النظام التكنولوجي سواء على صعيد مواقع الامتحانات والمُحاضرات، أو على صعيد الواقع الاجتماعي الذي يقول بأن ليس كُلُّ العوائل قادرة على توفير أجهزة تكنولوجية حديثة لأبنائها الطُلاب، خصوصًا إذا كانت الأسرة الواحدة تحتوي عدداً من الطلبة، ولا ننسى قصور وضعف شبكة الإنترنت بعيدًا عن المراكز المدينية، فكيف سيُتابع طالب جامعي أو مدرسي مُحاضراته، وهو في بلدة مَنسيّة في الجفر والرويشد والأزرق والصفاوي وغيرها من الأماكن النائية؟ هذا عدا عن رداءة وفشل “منصة درسك” التي اتضح ضعفها في أول اختبار لها قبل أيام، عندما لم يستطع آلاف الطلبة الدخول إليها، ودعتهم الوزارة بكل صراحة: ليُنظمّوا دخولهم، أيّ عليهم أن يدخلوا بأعداد قليلة، حتى لا يتعطل النظام بسبب الضغط العالي!، وحقيقة عدم التزام الطلبة بحضور دروسهم على تلك المنصة لأسباب عديدة أهمها من الجانب التربوي افتقاد دروس المنصة للروح التعليمية التفاعلية وهي ركن أساسي من أركان أيّ عملية تعليم، والوضع بحسب مُشاهداتي يبدو كأنه تعليم بلا تعليم فعلي، ونحن نرى الطُلاب بأعمارهم المُختلفة “ضائعين” في فراغهم ذلك والطفل لا يُمكن بأيّ حال سجنه وكبح جماح رغبته الدائمة باللعب والحركة، فأصبحت الشوارع والأحياء أماكن تجمّع للأطفال، وهي ليست حالة صحيّة.
وفي الوقت الذي تزداد فيه الانتقادات للتعليم عن بعد يرى عدد من الخبراء أنه الطريقة التي تفتح آفاق المستقبل وقد بُح صوت ملك المعلوماتية طلال أبو غزالة وهو ينبه لضرورة الاستعداد للثورة الخامسة أي الثورة الرقمية أي الذكاء الاصطناعي المعتمد على كم هائل من الخوارزميات التي تتيح للآلة أن تصبح ذكية.
وقد جاءت جائحة الكورونا لتجبرنا على استخدام بعض مناحي هذه الثورة كالتعليم عن بعد وكذلك التسوق وحتى بعض الواجبات الاجتماعية كالتهاني والتعازي أصبحت كلها عن بعد. وهنا نسترشد بما يقوله دكتور كاي فو لي عالم الكمبيوتر “إن الذكاء الاصطناعي سيغير العالم أكثر من أي شيء في تاريخ البشرية وأكثر مما غيرت الكهرباء” ولعل ما يختزل الأهمية المستقبلية للذكاء الاصطناعي ما قاله الرئيس بوتين لأطفال مدرسة “إن من سيصبح قائداً في هذا المجال سيحكم العالم” هذه الثورة تدق الأبواب ففي سنة 2021 يتوقع أن يستخدم 75 % من تطبيقات المؤسسات التجارية الذكاء الاصطناعي بأشكاله المختلفة وإنه سيحل محل 75 مليون وظيفة لن تعود ذات جدوى ويقول كاي “أنه يجب أن تكون على رأس الأولويات الاستراتيجية لأي مجتمع نريد أن يبقى في التاريخ هي اصلاح نظام التعليم. أي أنه بالمختصر المفيد أننا امام مفترق طرق بين أن نسلك طريق التقنية الرقمية وأن نجهز أنفسنا لها حتى نبقى ضمن السياق العالمي والا سيلقى بنا خارج التاريخ والحياة وهذه مسؤولية الدولة والمجتمع والقادة دون الالتفات للقوى المحافظة المقاومة للتغير بطبيعتها. فبدلاً من التركيز على عيوب وعثرات تجربة التعليم عن بعد علينا أن نعمل على تدارك هذ العثرات لا ان نحاربها.
واعتبر أولئك المؤيدين للتعليم عن بعد ان القسم الأكبر من المعارضين للتجديد في العملية التربوية بما فيها أسس القبول الجامعي هم من فئات محافظة بحكم تركيبتها الذهنية والفكرية تقاوم أي تجديد مع اعترافها بتراجع حالة التعليم وقلة من المختصين لديهم ملاحظات جديرة بالنقاش. والنقد الأهم والتاريخي الذي نراه وجيهاً هو الاعتراض على الطريقة الأحادية التي تتخذ بها الحكومات قراراتها دون طرحها للنقاش لا مع الناس ولا مع ذوي الاختصاص المشهود لهم بالخبرة والكفاءة. ويرى المؤيدون عن بعد أن امتحان التوجيهي مثلاً يوتر أجواء البيت والمدرسة ويرون انه امتحان إرهابي للطالب ولأسرته والمجتمع ومع كل دورة من الامتحان نتذكر عناوين على سبيل “في بيتنا توجيهي” يدور الحديث فيها عن حالة الطوارئ التي تعيشها الأسرة والطالب، وانه امتحان أعاق تطور التعليم، حيث يتم تكييف كل جهود المدرسة ومعلميها لتمرير الطلبة عبر الامتحان، ولا يعكس بأي حال قدرات الطالب العقلية ويذكرنا الأستاذ طوقان بنتائج طلاب مدرسة اليوبيل وهو من نخبة الطلاب المتفوقين يتم التدريس فيها على أساس تنمية التفكير الإبداعي وطرق البحث العلمي الاستدلالي والاستقصائي لم يوفقوا في امتحان التوجيهي المعتمد على التلقين والتحصيل، وأنه امتحان غير عادل لإنه يساوي بين المدارس المركزية ومدارس الريف والبادية وبينما من لديهم معلمين مؤهلون وبين من لا يرى المعلم الا بعد شهور من بداية العام الدراسي. ومع كل امتحان تتعالى شكاوى الأهالي من تعرض أبنائهم للدمار بسبب علامة ولدينا القصص الكثيرة حول طلاب أعادوا الامتحان مرات عديدة بسبب مادة غالباً الإنجليزية لأن المواد منفصلة ولا علاقة بينها.