في خطوة تسبق الحسم القضائي لموضوع نقابة المعلمين، وفي اجراء مخالف للدستور أقدمت وزارة التربية والتعليم على اتخاذ اجراء تعسفي اقصائي يحمل مضمونا سياسيا بإحالة قادة نقابيين إلى التقاعد المبكر وحرمانهم من التمتع بامتيازات إنهاء الخدمة وفق السنوات المقررة بأنظمة الوزارة، وكشفت هذه الإجراءات عن نوايا لدى الوزارة لحرمان اولئك القادة من حقهم في ممارسة دورهم النقابي، مستغلة الثغرات في نظام النقابات المهنية. الذي يحرم المتقاعدين من عضوية النقابة، وهو نظام يتناقض مع ضرورات مهنية وطنية ويهدف الى الانتقاص من حق النقابة بأن تكون شريكا حقيقيا للوزارة في صياغة القرارات التي تخدم مصالح المعلمين في كافة اللجان الفنية والتربوية للوزارة، كما أن ذلك النظام يضعف العمل النقابي من خلال تعميق الشرخ بين المعلمين في القطاعين العام والخاص من خلال عدم الزامية انتساب المعلمين في القطاع الخاص الى نقابة المعلمين والضغوط التي تمارس ضد المعلمين في المدارس الخاصة من قبل ادارات تلك المدارس لحرمانهم من الانتساب للنقابة، وترى الحكومة في نقابة المعلمين شريكا مرفوضا في صياغة السياسات والمناهج التربوية وتطوير المهنة وانتهجت سياسة رافضة للنقابة منذ الأيام الأولى لتشكيلها.
السلوكيات الحكومية تجاه النقابة – التي تشكلت في اجواء مد وطني – يؤكد توجه الحكومة في تحجيم دور النقابة المهني، واجراءات التقاعد المبكر بحق قادتها النقابيين يأتي استكمالا لسلسلة من الاجراءات الهادفة لتعطيل دور النقابة المهني، وتغول واضح يهدف لاقتناص اللحظة المناسبة لتصفية النقابة، وافراغها من مضمونها النقابي باشكال أخرى كلجان المعلمين في الأندية..
صحيح ان الاحالات على التقاعد أمر اعتيادي ولكن تحكمه قوانين التقاعد المدني والضمان الاجتماعي والأنظمة والتعليمات المدنية الاخرى.
وغالباً ما تتم هذه الاحالات في سنين متأخرة من عمر الموظف أو سنوات خدمته وغالباً ما تكون استجابة لاستحقاقات عمرية ووظيفية، وليست قرارات تعسفية أقرب ما تكون للعرفية واصطياد الأخطاء من الاخرين.
والمعروف ان الاحالات على التقاعد تأتي مساهمة في معالجة حالة البطالة خاصة بين الخريجين، اما ان تكون في سن الشباب وهم في مقتبل العمر فهذا يدفعنا الى التساؤل ما وراء حقيقة التقاعدات الأخيرة في وزارة التربية والتعليم والتي طالت عناصر شابة من قيادات نقابة المعلمين لم تتجاوز سنوات خدمة بعضهم الـ 20 – 25 عاماً. علماً بأن هناك المئات ممن هم في سلك الوظيفة قد أمضوا 30 عاماً وأكثر من الخدمة.
إجراءات الوزارة التعسفية بفرض التقاعد المبكر على قادة النقابة ونشطائها تعرى تماما من الالتزام بالدستور الذي جعل للقضاء الكلمة الفصل في هذا الخلاف، ولم نكن لنستبق التطرق لهذا الموضوع الا بعد ان جرت تلك الحملة الجماعية الجائرة بحق المعلمين والنقابة، تمهيدا للتنصل من المكتسبات الحقوقية التي نالتها النقابة من خلال اطول اضراب للمعلمين قبل ازمة كورونا.
التقاعد المبكر الذي يحرم المعلم من عدة استحقاقات وظيفية هو تضييق معيشي على اولئك المعلمين عقابا لهم على نضالاتهم المطلبية المحقة، واجحافاً بحق اسرهم.
الهدف الرئيس لهذه الاجراءات هو ترهيب المعلمين من اي نشاط نقابي واجهاض أي تحرك مطلبي مستقبلاً، واضعاف الثقة بالنقابة من قبل المعلمين، سيما بعد الالتفاف الملموس من قبلهم حول نقابتهم المهنية في اضرابهم الذي حقق مكتسبات لتحسين معيشتهم.
إن هذه الإجراءات النقابية بحق قادة نقابيين لا يساعد على توفير الأجواء المناسبة والضرورية لإنجاح عملية التعليم بل على العكس تعميق الأزمة بين قطاع المعلمين ووزارة التربية والتعليم سيما وان هذه القضية التي خلقتها أجهزة الحكومة ما زالت في قبضة القضاء وكان من الضروري بمكان الابتعاد عن النهج العرفي في معالجتها وانتظار الحسم لها من هذا القرار القضائي او اللجوء الى الحوار البناء بين طرفي المعادلة التربوية وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين.